فى ظل ما تتبناه وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وما تعج به وسائل التواصل الاجتماعي من فساد وإفساد وتحريض على البعد عن مبادئ التربية السليمة والسلوك القويم ، والصبر والمصابرة على ظروف الحياة الصعبة، إضافة إلى استشراء ثقافة الاستهلاك وتراجع الإنتاج وغلاء الأسعار بصورة غير مسبوقة ، نجد أن المشاكل الأسرية قد تفاقمت وعم التفكك الأسري وانهارت الأُسر بما يؤذن بانهيار المجتمع، وحتى نرى جزءًا من الصورة واضحًا فلنذهب إلى ساحات محاكم الأسرة ونرى كيف ازدحمت بالعديد من القضايا على مختلف أنواعها من طلاق وتطليق ونفقة عدة وزوجية ومتعة ناهيك عن قضايا حضانة الأطفال ونفقات معيشتهم وأجر مسكنهم وحضانتهم والمطالبات بمصاريف دراستهم.
وأمام كل هذا الكم من القضايا تقف نيابات الأسرة ومكاتب تسوية منازعاتها ومحاكمها عاجزة عن الإصلاح بين الزوجين وذلك للكبر والأنانية التي تصيب كل طرف منهم ضاربين عرض الحائط بعواطف أبنائهم ومصائرهم ومستقبلهم غاضين الطرف عن أيام أو سنوات من المحبة والألفة قد جمَّعتهم، وأصبحت ساحات المحاكم الأسرية محال للشجار والتنابذ بالألفاظ والتباري بالأكاذيب التي يختلقها الأزواج بعضهم على بعض أمام أطفالهم الذين نُشِّئوا لتكون قاعات المحاكم متنزههم بدلًا من الحدائق والطبيعة الغناء، وليكون بكاؤهم وصراخهم بديلًا عن ضحكات بريئة مفعمة بالسعادة والمرح، فيا حسرة على هذه الأنفس البريئة التي ترعرعت وارتوت بكؤوس مملوءة بسموم من الحقد والكراهية . و يا أسفاه على مجتمع كانت هذه حال نشأة أبنائه في جميع طبقاته ومستوياته، فأي صلاح نتوقعه فيه وأي تقدم ورفعة نبتغيها من وراء ذلك.
إن ما يحدث وما نراه من التفكك الأسري ما هو إلا نذير شؤم بانهيار المجتمع المصري وتداعيه وتهديد مستقبله ، الأمر الذي يحتم على الدولة أن تتدخل بكافة مؤسساتها الدينية والتعليمية والإعلامية والاجتماعية لدراسة ما أصاب الأسرة المصرية من خلل، وأسباب تداعي دعائم المودة والمحبة بين طرفيها زوج أو زوجة أم أو أب ، ووضع منظومة اجتماعية متكاملة لمنع هذا الانهيار و رأب الصدع فى جدار الأسرة المصرية، وإعداد البرامج النفسية والعلمية لإعادة دفة مركب الحياة الأسرية إلى مسارها القويم، وبث روح الألفة والمودة والمحبة بين ربانيها. وفي ذات الوقت وضع آلية قانونية تضمن حماية الأطفال والنشء من صلف وعناد أحد طرفي الأسرة إذ أبى لمّ الشمل وأصر على الفراق ، وذلك بأن تتحمل الدولة مسئوليتها تجاه أطفال النزاعات الأسرية منذ بدايتها بما يضمن لهم الحياة الكريمة من مسكن ومأكل وملبس وتكملة مسيرة العلم والتعليم ، و دونما انتظار لصدور حكم قضائي نهائي بأحقية هؤلاء الأطفال للمسكن ونفقة العيش و مصاريف التعليم أو شموله بالنفاذ ، لأن ذلك قد يستغرق سنوات يتردد فيها الأطفال على نيابات الأسرة ومكاتب التسوية والمحاكم ؛ ويكون ذلك بإنشاء صندوق للرعاية الأسرية تكون له الشخصية الاعتبارية ، ويتمتع بالاستقلال المالي والإداري ويتبع وزير العدل مباشرة يتم تدبير موارده من خلال استقطاع نسبة من رسوم الدعاوى القضائية ، ورسوم التوثيق والشهر العقاري، وعوائد المخالفات المرورية، و عوائد الأوقاف المصرية ، وكافة حصيلة ما يسفر عنه تنفيذ الأحكام القضائية النهائية الصادرة فى المنازعات الأسرية ، وتبرعات جمعيات ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق المرأة والطفل بخاصة والشأن الاحتماعي عامة، والموارد المالية للجهات والمؤسسات ذات الصلة بالشأن الاجتماعي، وكذلك تبرعات رجال الأعمال القادرين من قبيل تحمل مسئولياتهم تجاه إصلاح مجتمعهم. وكل ذلك يسبقه ضرورة التوعية الاجتماعية لراغبي الزواج قبل الإقدام عليه من أهمية تحمل المسئولية الأسرية والمحافظة على كيان الأسرة، ووجوب المصارحة بالعيوب قبل المزايا حتى يتقبلها كل طرف قبل الإقدام على الزواج أو الإنجاب، والحض على أن تسود روح التسامح والعفو والإيثار عندما يحلّ الخلاف، والبعد عن الكبر والعناد وسوء الأخلاق، ثم بعد ذلك إذا كان الفراق لابد منه فليكن فراقًا بإحسان لا يجور فيه أي من الطرفين على حق الآخر ولا على حق الأبناء في الرعاية والتربية ، وليُحسن كلاهما إلى الآخر ولا ينسوا الفضل بينهما.
فـ(إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ...... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا)