الأحد 15 سبتمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

من أصعب ما يتعرض له العبد في دنياه أن ينعم الله عليه بنعمة، أو بنعم فيكون سببا في زوالها عنه؛ لأنه لم يعرف قدرها، ولم يعطها حقها بمزيد شكرها، بل إنه قد يستغلها فيما يغضب الله ورسوله، ومعلوم أن كل ما يستعيذ منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فإن خطره شديد، وجرمه عظيم، وكان من دعائه الذي يكثر منه: "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك".. أخرجه مسلم.
ولا يعرف الوجع إلا من يكابده، فكم من أناس سكنوا القصور، وركبوا فاره السيارات، وتريشوا بريش النعام، وارتدوا الدمقس والحرير، ثم بعد ذلك تغير الحال، وصارت القصور خرابا، والفارهات مستحقرات، والدمقس والحرير أثوابا مهلهلة، وبعد أن كانوا ينثرون الفلوس بطرا ورياء صاروا يتكففون الناس سؤالا واستجداء، وصدق القائل، (وتلك الأيام نداولها بين الناس). 
وقد حذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زوال النعم لأسباب نظنها بعقلنا القاصر يسيرة، ولا نلتفت إليها لجهلنا بقدرها، ولكنها عند الله عظيمة، فكم واحد منا وجد طعاما صالحا للأكل ملقى على الأرض فرفعه وحافظ عليه سواء أكله، أو تركه لغيره من إنسان أو حيوان ؟؟، بل نحن في كثير من الأحيان يقع من بين أيدينا فنتأفف من أن نرفعه ونأكله، بل أحيانا نطأه بأقدامنا دون مبالاة بأن هذا كفرانا بنعمة الله، وإيذانا بزوالها، وكم تعلمنا من آبائنا وأجدادنا بأننا إذا وجدنا كسرة خبز ملقاة على الطريق أن نأخذها ونقبلها ونضعها على الرأس، وإما أن نأكلها إن كانت صالحة، أو نضعها على أحد جانبي الطريق حتى لا تطأها أقدام المارين، فلعلها تكون طعاما لحيوان أو طير جائع، وما كنت أظن أن هذا الذي علمونا إياه بفطرتهم النقية، هو اتباع لأمر رسول الله في هذا الشأن، حيث تروي السيدة عائشة رضي الله عنها، فتقول: "دخلَ عليَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فَرأى كِسْرَةً ( قطعة من خبز) مُلْقَاةً فَمَشَى إليها فأخذَها ثُمَّ مسحَها فَأكلَها ثُمَّ قال لي: يا عائشةُ أَحْسِنِي جِوَارَ نِعَمِ اللهِ تَعالَى فإنَّها قَلَّ ما نَفَرَتْ من أهلِ بَيْتٍ فَكَادَتْ أنْ تَرْجِعَ إليهِمْ"
رواه ابن ماجة، والطبراني.
اللهم إننا نعوذ بك من زوال نعمك، وتحول عافيتك، وانفعنا بما علمتنا.
اللهم آمين

تم نسخ الرابط