القصد الجنائي في القتل العمد وأحكام النقض
قالت محكمة جنايات المحلة برئاسة القاضي سامح عبد الله، في القضية رقم 10583 لسنة 2022 جنايات قسم ثالث المحلة المقيدة برقم2142 لسنة 2022 كلي شرق طنطا، أن القصد الجنائي في جريمة القتل العمد هو من قبيل القصد الخاص، وهذا معناه أن الركن المعنوي لهذه الجريمة لا يتحقق قانونًا إلا إذا ثبت إلى جانب -القصد العام - وهو انصراف إرادة الجاني إلى إتيان النشاط المادي مع العلم بكافة عناصر الركن المادي للجريمة كما رسمها القانون -القصد الخاص - وهو اتجاه نية مرتكب الجريمة إلى غرض يهدف إليه بنشاطه وهو "نية القتل".
محكمة النقض
وتُعبر محكمة النقض المصرية عن رأيها الذى تواترت عليه أحكامها باشتراط توافر القصد الخاص في جريمة القتل العمد بقولها:
"تتميز جرائم القتل العمد والشروع فيه - قانونًا- بنية خاصة هي انتواء القتل وإزهاق الروح وهذه تختلف عن القصد الجنائي العام الذىيتطلبه القانون في سائر الجرائم العمدية.
ولا بد أن يتعاصر القصد الجنائي مع الفعل المادي الذى أحدث الوفاة، فإن توافر القصد عند اتخاذه كانت الجريمة عمدية ولو كان هذاالقصد متخلفاً قبل اتخاذ الفعل أو تخلف بعد اتخاذه .
أما لو ندم الجاني وفقد نية القتل عند إتيان الفعل فلا تكون الجريمة عمدية"
والقصد الجنائي كركن من أركان جريمة القتل العمد لا تقوم بدونه ومن هنا يلزم بيانه والتدليل عليه حتى يتسنى لمحكمة النقض إنزال رقابتها على صحة تطبيق القانون.
أوضحت محكمة جنايات المحلة في حيثيات حكمها برئاسة القاضي سامح عبد الله أنه ليس هناك مظهر بذاته يقطع بقيام القصد على سبيل الحتم لأن هذه المظاهر ليست هي القصد ولا أدلة حتمية توجد كلما وجدت، وإنما هي أمارات تكشف عنه والأمر موكول لقاضي الموضوع فيكل حالة واقعة على حدة .
وفى هذا تقول محكمة النقض في حكم متواتر عليه أيضًا: أن "قصد القتل أمر خفي لا يُدرك بالحس الظاهر وإنما يُدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه"
وتضيف أيضًا: "وحيث إن جريمة القتل العمد تختلف عن غيرها من جرائم الاعتداء على النفس بعنصر خاص هو أن يتعمد الجاني من ارتكاب الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليه وهذا العنصر ذا طابع خاص يختلف عن القصد الجنائي العام الذى يتطلبه القانون في سائر الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجاني ويضمره في نفسه، ومن ثم فإن المحكمة تستظهره من وقائع الدعوى وملابساتها"، "وأن الحكم الذى يقضي بإدانة المتهم في هذه الجناية يجب أن يعني بالتحدث عن هذا الركن استقلالاً واستظهاره بإيراد الأدلة التي تكون المحكمة قد استخلصت منها أن الجاني حين ارتكب الفعل المادي المُسند إليه كان في الواقع يقصد إزهاق روح المجني عليه وحتى تصلح تلك الأدلة أساسًا تُبنى عليه النتيجة التي يتطلب القانون مقتضاها يجب أن يبيِّنها الحكم بياناً واضحاً ويرجعها إلى أصولها في الدعوى وألا يكتفي بسرد أمور دون إسنادها إلى أصولها"، وأنه ليس ثمة ما يمنع من أن تتولد نية القتل فجأة عند أحد المتشاجرين أثناء المشاجرة.
وحيث إنه لما كان ذلك وبناء عليه فإن المحكمة تستخلص توافر القصد الخاص لدى المتهمين والمتمثل فى نية إزهاق روح المجنى عليه منالأمارات والشواهد الآتية:
أولًا: اعتراف المتهم الأول التفصيلي بتحقيقات النيابة العامة والذى اطمأنت إلى صحته المحكمة وأعدته دليلاً دامغاً في الأوراق .
لقد أفصح المتهم في هذا الاعتراف عن مكنونٍ داخلي ربما كان أُنموذج للتعبير عن القصد الخاص الذى تواترت أحكام محكمة النقض المصرية على ضرورة ثبوته والتحقق منه في جرائم القتل العمد .
لقد أضمرا المتهمان الحقد في نفسهما تجاه للمجنى عليه بسبب الضائقة المالية التي ألمت بهما ومن ثم فقد تولدت الرغبة داخلهما بقتله والاستيلاء على أمواله .
ثانياً: أن المتهمان منذ الوهلة الأولى التي اكتملت فيها قناعتهما بقتل المجني عليه قد وضعا خطة تنفيذها موضعاً جدياً لا يمكن أن ينبئ إلا أن قصدهما قد انعقد على إزهاق روح المجني عليه .
بل أن ما صدر عنهما ترى فيه المحكمة أنه الصورة المثلى التي يمكن أن نصف بهاالقصد الخاص في جرائم القتل العمد . ضائقة مالية ثم تفكير شيطاني للخروج منها ثم الاستقرار على قتل المجني عليه الذى شاع احتفاظه بأمواله بين طيات ملابسه رائحاً غادياً ثم وضع ذلك كله موضع التنفيذ ثم تنفيذه بالفعل .
ثالثاً: أن المتهمان وضعا خطة التنفيذ هذه بعد أن اختمرت فكرة الجريمة في نفسيهما وليس لديهما سوى قصدٍ واحدٍ وهو قتل المجنى عليهوازهاق روحه . فيقول المتهم الأول في اعترافه أمام النيابة العامة حرفياً: "وثاني يوم الإثنين الصبح قررنا إن احنا نخلص على عم حسينوجبنا شريط أبتريل وكلناه وشربنا سيجارة حشيش أنا والمحرنجي (المتهم الثاني)
ثم يقول ذات المتهم حرفياً في موضع آخر:"واحنا قاعدين قدام الورشة وسعتها عم حسين كان معدي علينا ورايح يصلي العصر فلقيته بيقولي (المتهم الثاني) ما تيجي نخلص على الراجل ده وناخد الفلوس وسعتها أنا قولتله ان أخذه البيت عندي وأقله إن فيه شوية خرده في البيت أدهمله وأديله مائتي جنيه وينظف السطح وسعنها قالي (المتهم الثاني) يلا نخلص قولتله اصبر لحد بالليل عشان مراتي بتنزل المغرب وتروح عند أمها".
فكل هذا لا يمكن أن يوصف إلا بأن قصد ازهاق روح المجني عليه قد توافر في حقهما .
رابعاً: شراء المتهم الثاني من الصيدلية المذكورة آنفاً حسبما شهادة المسئول عنها ما اعتقد أنه أقراص منومة لوضعها بمشروب يقدم الىالمجني عليه من أجل تيسيير عملية قتله وهم ما تم بالفعل من قبل المتهم الأول إلا أن المجني عليه لم يستسغ مذاقه .
خامساً: لقد وقع اختيار المتهم على أن تكون طريقة الفتك بالمتهم هى ضربه بأداة عبارة عن مطرقة (شاكوش) كان قد أعداها مسبقاً وهيأداة من شأنها أن تحدث القتل .
سادساً: أن المتهم الأول قد تخير موضعاً قاتلاً فى جسد المجنى عليه ألا وهو الرأس، بل هو فى الحقيقة من أكثر الأجزاء فى جسد الإنسانالتى يمكن أن تنتج الوفاة من إثر التعدى عليها . فقد ضربه فوق رأسه بالأداة المذكورة ثم أجهز المتهم الثاني عليه . يقول المتهم الأول حرفياًفي اعترافه: "وسعتها أنا كنت ماسك الشاكوش في ايدي وهو بيجيب آخر حلتين وموطي خبطته بالشاكوش على دماغه من ورا خبطه واحدهفقام واقع على جنبه اليمين وقعد يشخر فقمت بخبطه خبطه ثانيه بعزم ما فيه جت في راسه من قدام من الناحية الشمال وسعتها نزل دمكتير وقعد يشخر فأنا خفت عشان أنا بسمع ان الراجل ده ملموس فأنا كلمت المحرنجي يجيلي عشان كنت متفق معاه إن احنا منروحش معبعض عشان محدش ياخد باله من حاجه .. وبعدها بثلاث دقائق جالي .. وطلع فوق .. وأول ما دخل سألني صاحي ولا أخلص قلتله معرفشفقام داخل المطبخ والشكاوش كان جنب عم حسين وسعتها أنا كنت واقف بره في الصاله وسمعت صوت ترزيع عشان عم حسين كان واقععلى الخشب بتاع المطبخ وسعتها هو طلع وقالي خلاص"
سابعاً: أن تقرير الصفة التشريحية قد أثبت من خلال الكشف الظاهري وكذلك الكشف التشريحي أن الإصابات التي بمؤخرة فروة الرأسمما تتفق واعتراف المتهم الأول وأن هذه الإصابات قد نتج عنها كسور بالجمجمة وما أدت إليه من نزيف دماغي الوفاة وكانت سبباً مباشراًفي وفاة المجني عليه .
ثامناً: تحريات الشرطة التي ثبت منها انتواء المتهمين قتل المجني عليه .
الأمر الذى تخلص معه المحكمة ومن جماع ما تقدم أن القصد الخاص في جريمة القتل العمد والمتمثل في انصراف نية المتهمين إلى ازهاقروح المجني عليه قد ثبت في حقهما ومن ثم فيكون الدفع بعد توافره قد جاء على غير سندٍ صحيحٍ من الواقع والقانون والمحكمة ترفضه .