ads
الخميس 21 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

منذ عقودٍ عدةٍ ونتيجة لمتغيرات كثيرة أصابت هذا المجتمع ظاهرة الاستدلال عند أي نقاش بنص ديني حتى ولو كان النقاش يسير في اتجاه مختلف .
يأتي الاستدلال بالنص الديني في الغالب دون أدنى اعتبار لمصداقية النص أو حقيقته أو معناه . قد تكون قصة أو رواية أو قول أو عبارة منسوبة كذباً لصاحبها .
المهم هو أن النص يدخل على النقاش فيحسمه فوراً دون تفكير أو جدل .
هذه الظاهرة لا تعكس أبداً حالة تدين صحيحة أو حالة تقوى صادقة وإلا كان الأمر مقبولاً على الأقل من هذه الناحية .

هذه الظاهرة لا تعكس حالة صحية أبداً وإلا ما وجدنا كل هذا التناقض بين أقوالنا التي تتمسح في الدين وبين سلوكنا البعيد تماماً عن أي قُوام سليم سواء كان هذا القوام مستمداً من نص ديني أو غيره .
هذه الحالة تعبر وبكل أسف عن حالة ركود عقلي مخيفة .

تعطيل ملكة التفكير هو شئ مخيف بكل تأكيد لأنه يلغي وجود الإنسان كله وذلك عندما يأتي البحث عند أى نقاش وبصورة آلية عن نص ديني ينقذ صاحبه من تبعات التفكير وجهد النقاش .

يأتي هذا الحل الآلي لكي يثبت الشخص أنه قادر على النقاش ، بل وحسم النقاش وطالما كان الجواب يحمل نصاً دينياً .
أنظر على سبيل المثال حجم التعليقات الدينية على مواقع التواصل الاجتماعي التي يرى فيها أصحابها أنها تحسم الجدل بشأن كل ما يثور من نقاشات طرح فيها أصحابها رؤية في شأن موضوع ما حتى ولو كانت عن الفن التشكيلي مثلاُ . ستجد من يحسمها بمنشور ديني وينتهي الأمر .

إنني على قناعة تامة بأن التدبر والتأمل وإعمال العقل أشياء عظيمة القيمة وهي أكثر الأشياء التى قادت الإنسان قبل الأنبياء والرسل إلى عقيدة التوحيد .

أعيد وأشدد أنني لا أرفض الاستدلال بالنص الديني على إطلاقه فقد يكون ضروري في كثير من الأحيان في ظل مجتمع لا يمكن أن نستبعد التأثير العظيم للدين على هويته .
لكن المطلوب في الأستدلال أن يكون في موضعه السليم قائماً بالحجة وصحيح المصدر وقطعيته .
أما أن يأتي لمجرد الحسم القسرى للنقاش فهذا يشكل إهانة للعقل ولكرامة الإنسان وهو أمر ضد التدين من الأساس .

ليس من اللازم أن تصبغ تحيتك الصباحية والمسائية بصبغة دينية حتى تدلل على تقواك .
يمكن أن تدلل على هذه التقوى بالسلوك القويم .
ليس من اللازم أن تستشهد برواية أو قصة أو حديث ضعيف لكي تدلل على صدق كلامك .
دع صدق كلامك يثبت من الحفاظ على كلمتك وشرف كلمتك وهو أمر بالمناسبة من جوهر الدين .

أتتبع هذه الظاهرة منذ زمن  .
الصبغة الدينية في أحاديثينا التي انتفت عنها المشاعر الصادقة النبيلة .
الدعاء فقد رمزيته العظيمة لأنه يأتي ملقناً محفوظاً مرتباً تصنعه لك صفحات بعناية مع صور منمقة جذابة .
كان يكفي جداً أن يأتي الدعاء من القلب لكي يحدث أثره العظيم لكن ذلك ثبت أنه شىء عسير في زمن زيف المشاعر وكذبها .
عبارات الرجاء والطلب التي كنا نطلقها بتلقائية مثل من فضلك .. لو تكرمت .. لو سمحت ..إلى  آخرها ..
لم تتركها الصبغة الدينية على عفويتها فارتدت شكل الدين دون الجوهر .
لقد اصطعنا أثواباً لكلماتنا ومعاملاتنا أصبغناها كلها بصبغة دينية ثم يأتي السلوك الغعلي ليضربها فيشطرها بسوط التناقض المخيف الذي لا ينفك أن يعلن عند كل مناسبة أن هوة سحيقة تباعد ببن كلماتنا وسلوكنا وبين جوهر الدين الذي لا يمكن أبداً أن يكون على هذا النحو الذي نصنعه ليل نهار .
أقول لكم:
حتى هذا المقال لن ينجو من هذا المصير .. !

تم نسخ الرابط