الخميس 19 سبتمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

بكت بحرقة لرحيله، فلم تتخيل يومًا الحياة بدونه، والتي صارت من بعده موحشة، مظلمة، قاسية.

جلست على مكتبها تمسح دموعها التي حاولت حبسها، بادر كل من حولها بمعرفة سبب كل هذا البكاء الحار، فاختنقت بالكلمات واختلقت كذبتها قائلة ( ابكي رحيل قريبتي) 

زاد نحيبها وهي تلوم نفسها: لماذا لا أخبرهم الحقيقة؟ لا أحد سيستوعب ما أشعر به ، فهذا مجتمع لا يعرف هذا النوع من الحب، كيف أحدثهم عن صداقتنا التي دامت أكثر من خمسة عشرة عامًا، كنت دومًا بانتظاري وبجواري، تهب لي الحب الذي افتقدته طوال حياتي، تنصت لكل العواصف التي تجتاح قلبي، خذلان وراء خذلان، ضحكات قليلة ودموع غزيرة، ألم و فراق ، وخيانة، عثرات وكبوات .. كل شيء كان ينتهي عندما أعانقك باكية، وأنت تحترم صمتي وتصون سري ولا تشكو غيابي.

أستاذنت في الانصراف من عملها وهي مازالت تفكر فيه، صديقها الوحيد بل ابنها الوحيد أيضا، ذلك الذي شاركها وحدتها بل كان سلو قلبها، يملأ عليها الدنيا صخبا.. كم تشعر بالخجل، كلما تذكرت أنها اخترعت قصة ملفقة بعيدا عن رفيق دربها، ابتسمت رغما عنها وهي تستعيد ذكرياتهما وكيف كان يداعبها بشقاوة الأطفال، و يرنو إليها بعين الابن المشتاق لحنان أمه.

استعادت نظرات عينيه البرئيتين، أزاحت الدموع التي حجبت عنها الرؤية، وهي تتجرع مشهد ذلك اليوم البغيض عندما بحثت عنه ترجوه أن يبقى بجوارها كعادته، فوجدته يقبع في ركن بعيد بالحديقة، يقاوم سكرات الموت، جلست بجواره على الزرع المبلل وهي تحتضنه باكية، وجففت دمعة نزلت من عينه وهي تربت على رأسه كعادتها، نبح بقوة مودعًا إياها ثم اسلم الروح.. كانت لحظة مريرة وهي تنتفض بالبكاء على جسده الدافيء، واستمرت هكذا فترة، فأسرعت تحفر حفرة بحديقتها وهي تنبش بيديها بكل همة كي تواري جثمانه العزيز، كان جسدها ينتفض بقوة غير مبالية بالتراب الذي لوث وجهها وغطاها رأسا على عقب.

وعادت منذ تلك اللحظة وحيدة بلا صديق وفي يحبها بصدق، يهلل من أجل مرآها ويبتسم إذا ابتسمت، ويزوم من أجل احزانها.. 

جلست على كرسي بالحديقة تتأمل مرقده الأخير بمرارة من اعتاد الوحدة، وبدأت في الحديث إليه عن يومها المزدحم كما اعتادت أن تفعل.

تم نسخ الرابط