الأحد 29 سبتمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

تكمن عبقرية "سيجموند فرويد" عالم علم النفس الشهير في أن نظريته عن التحليل النفسي رغم مرور هذا الزمن السحيق عليها ما تزال هى النظرية التى لم ينل منها تقدم العلم والعلماء .

من بين ماتقوله هذه النظرية إن كل سلوكنا ما هو إلا انعكاس لتجارب أخرى مررنا بها حتى ولو كانت ترجع إلى الطفولة المبكرة .

لا شىء طبقاً لهذه النظرية يموت داخل الإنسان ، بل يظل كامناً بداخله إلى أن يأتي محركاً فيستيقظ بداخلنا لأنه في الواقع لم يمت وقد ظننا ذلك .

يتحكم إذن في سلوك الإنسان ما يسمى ب "الانعكاس الرجعى" 
Reflex feedback

وذلك عندما يكون سلكونا انعكاساً لتجربة مررنا بها مسبقاً فتضفى علينا ما يمكن إن يمثل ليس فقط سلوكاً إنعكاسياً بل ويمكن أن يكون سلوكاً جبرياً أيضاً .

أثناء فترة النيابة العامة ومن بعدها – منصة القضاء – كنت ألاحظ أن بعض الجرائم ارتكبت بسبب ما أثاره هذا الانعكاس الرجعى في ذهن المتهم .
أذكر ذلك جيداً في واقعة قتل كان السبب الرئيسى فيها هو أن القاتل قد شاهد أمه في موضع مشين وهو  طفل مع عمه فترسخ في عقله الباطن أن الخيانة قد ارتبطت بالمرأة فبات قاتلاً لكل من صادفهن من النساء في حياته دون أن يرتكبن جريرة.

هذا الرجوع الانعكاسى الذى يبدو خطيراً للغاية حتى أنه يكون الدافع أحياناً إلى ارتكاب الجرائم على اختلاف اشكالها( قتل .. سرقة .. اغتصاب ..) ليس معناه أنه بلا علاج بل يمكن التخفيف من حدته عن طريق ما يسمى ب "الانعكاس المكيف"
adapted Reflection
والمقصود به تهذيب الرجع الانعكاسى عن طريق تخفيف حدة التجارب السابقة التي مررنا بها أياً كانت درجة الألم التي تركتها في نفوسنا .

هذا يدفعنا بلا شك إلى أن نهتم بمرحلة الطفولة كل الاهتمام لأنها المرحلة التي تتشكل فيها أكبر دائرة يمكن أن تحدد سلوكنا المستقبلى .

النفس الإنسانية معقدة لكن رغم ذلك يمكن أن نتعامل معها برفق وتسامح .
نغفر لأنفسنا ما اعتبرناه أنه من الخطايا .
نغفر للآخرين أيضاً خطاياهم . لسنا جميعاً أنبياء أو ملائكة .

لا نغرق في أحزاننا لأنه لا جدوى من أن نهبط إلى بئر سحيق بمحض إرادتنا ثم ننشد النجاة  .

كل تجربة مريرة مررت بها لا تسمح لها أن تحدد سلوكك الحاضر أو المستقبلى .

خفف من حدة التجارب الأليمة عندما يثيرها محرك ثم أعد استقبالها بعد أن تكون قد تكيفت معها وأعلم دائماً أن الدنيا ليست رحلة ترفيهية إلا عند الذين فقدوا نعمة العقل . وأننا حتى نكون جديرون بالبقاء فوق أديم هذه الأرض  يجب أن نتعامل معها على أنها رحلة تحدى .. رحلة تحدى من أجل البقاء .

تم نسخ الرابط