عين الإنسان لا يمكن لها أن ترى كل الألوان بخلاف عيون الفراشة؛ لذلك نرى في قوس قُزح سبعة ألوان فقط هي: الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، الأزرق، النيلي، البنفسجي مرتبة من خارج القوس لداخله، في حين أن ألوان القوس قد تتجاوز المليون لون، فما يبدو هو جزء من القوس، وتحديدا الذي تقع طول موجات الضوء فيه ما بين تردد 700 نانو متر وهو الطول الموجي للون الأحمر، و400 نانو متر وهو الطول الموجي للون البنفسجي.
لأن الضوء الذي تراه عادة هو مزيج من الألوان الكثيرة، ينتقل عبر الأثير في موجات كهرومغناطيسية أشبه ما تكون بموج البحر، فلو تخيلت ملايين الأمواج وكل موجة لها طول معين وسرعة مختلفة أثناء حركتها، فكل لون يمثل موجة.
وأثناء المطر وتحديدا إذا كانت الشمس خلفك فى وقت الضحى أو قبل الغروب فإن ضوء الشمس الأبيض المائل ينكسر بزوايا مختلفة عند مروره من حبات المطر الصافية ثم ينعكس في السطح الداخلي من القطرة ثم ينكسر مرة أخرى عند خروجه من القطرة، وبالتالي يتحلل إلى الألوان المكوّنة له لاختلاف زوايا انكسار كل موجة تبعا لاختلاف طولها وسرعة ترددها ، بما يؤدي إلى انفصال الأطوال الموجية إلى ألوانها المختلفة.
عين الانسان لا ترى سوى هذا الجزء من القوس، لكنها لا ترى سائر الألوان والتي منها الضوء الأسود أو الأشعة فوق البنفسجية، التي يمكن لعين الفراش أن تراه.
ولكي ترى بعيون الفراش عليك الدخول في حجرة مظلمة بها لوحات فنية ملونة، في البداية لن تظهر تلك الألوان، فإذا أضيئت الحجرة بالضوء الأسود، فإن هذه اللوحات ستتوهج فيها الألوان التي تشبه ألوان الزهور التي تنجذب إليها الفراشات .
وتنجذب الفراشات أيضا إلى الروائح حيث تمثل لغة التواصل فيما بينها، فتفرز الذكور عطورا لإغواء الإناث ، بينما تصدر الإناث الضوء الأسود أو الأشعة فوق البنفسجية لجذب الذكور لعملية التزاوج .
وحديثا عندما اكتشف الانسان ذلك صنع أجهزة ضوئية لقتل البعوض والحشرات الطائرة، واستخدم كذلك في عمليات مقاومة الآفات الزراعية عطورا كالتي تفرزها ذكور الفراشات لجذب الإناث وقتلها منعا لعملية التكاثر.
والفراش عادة لا يفرق بين مصدر الضوء الأسود ، فتراه ينجذب نحو المصابيح أو النار المشتعلة ليلا بأعداد عددا هائلة خاصة الذكور منها، كما ينجذب نحو الضوء الصادر من الإناث، إنه يجتهد في السعي والطيران نحو النار، فيظل يتخبط في دائرة ضوء النار عشقا وهياما حتى ترتطم بها فتحترق.
هناك من الناس من يرى الدنيا بعيون الفراش لا يفرق بين النافع والضار، تراه يندفع نحو هلاكه المحتوم دون تفكير ودون روية .
أخبرنا بذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكأنه يحذرنا من رؤية الدنيا بعيون الفراش ، قائلا :
" إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ وَهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا" صحيح البخاري /6483.
ففيه من التنبيه على ضرورة استشعار الحذر خشية التورّط فى محارم الله والوقوع فى معاصيه، وعدم السعي لمواطن الشهوات سعي الفراش نحو النار يظن فيها متعته لكنها مهلكه ومماته .
إن العصاة لا يرون الأشياء على حقيقتها بل يرون الشهوات تبرق أمام أعينهم بريقَ ألوان الزهور على لوحات فنية في حجرة مظلمة أضيئت بضوء أسود.
ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رحمة بنا، وحبا لنا، يجتهد بهديه في أن يضيء لنا ذلك الظلام حتى يختفي بريق تلك الشهوات فترى أعيننا ما ينبغي أن تراه فقط من ألوان .
والعاقل هو من يجد متعته فيما قدر الله لعينه أن تراه من ألوان قوس قزح ، وأما عدم الاكتفاء بذلك والسعي لرؤية ألوان أخرى قدر الله لنا عدم رؤيتها فإنه كطيران الفراش نحو النار.
قال تعالى "وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ " سورة طه/131
وزهرة الحياة هي: الزينة المُعْجِبة من اللّباس، والأنعام، والجنان، والنساء، والبنين، تُزَيِّن الحياة كما تزين الأزهار النباتات والحدائق، لكل إنسان أزهاره وألوانه.
اللهم اغننا بحلالك عن حرامك ، وبفضلك عمن سواك ، واسقنا من حوض رسولك الحبيب شربة لا نظمأ بعدها أبدا، واحفظ اللهم بلادنا من كل مكروه وسوء ، ووفق قادتها لما فيه الخير والنماء .