السبت 21 سبتمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

**ترك‭ ‬مسكنه‭.. ‬ذاهبًا‭ ‬إلى‭ ‬موعد‭ ‬لقاء‭ ‬حبيبته‭.. ‬كان‭ ‬صادق‭ ‬العزم‭ ‬فى‭ ‬تحمل‭ ‬المشقة‭.. ‬والسفر‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬البعيد‭.. ‬الذى‭ ‬تسكنه‭.. ‬وقلبه‭ ‬منذ‭ ‬قابلها‭ ‬مصادفة‭.. ‬فى‭ ‬سوق‭ ‬المدينة‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬فستان‭ ‬أبيض‭.. ‬فى‭ ‬صحبة‭ ‬حارس‭ ‬مهمته‭ ‬أن‭ ‬يمنع‭ ‬عنها‭ ‬المتطفلين‭.. ‬والمحدقين‭ ‬فى‭  ‬جمالها‭ ‬الربانى‭.. ‬ولم‭ ‬يدر‭ ‬أن‭ ‬نظرة‭ ‬الحبيب‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬اختراق‭ ‬الحواجز‭ ‬والغمام‭.‬
سافر‭ ‬على‭ ‬فرسه‭ ‬الاشهب‭.. ‬على‭ ‬طريق‭ ‬يمتد‭ ‬بلا‭ ‬نهاية‭.. ‬يشق‭ ‬الكثبان‭ ‬الرملية‭.. ‬وينافس‭ ‬فى‭ ‬سرعته‭ ‬السحاب‭.. ‬حاملاً‭ ‬باقة‭ ‬من‭ ‬الزهور‭ ‬التى‭ ‬تتحدث‭ ‬بلغة‭ ‬العشق‭ ‬والوجد‭.. ‬بكلمات‭ ‬سحرية‭ ‬تحتفظ‭ ‬بشفرتها‭ ‬قلوب‭ ‬المحبين‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعرف‭ ‬مقصده‭ ‬سوى‭ ‬الفرس‭ ‬الصديق‭.. ‬همس‭ ‬فى‭ ‬اذنه‭ ‬بالمكان‭ ‬وهو‭ ‬يناوله‭ ‬حبات‭ ‬السكر‭ ‬قبل‭ ‬الرحيل‭.. ‬لم‭ ‬يلتفت‭ ‬إلى‭ ‬الوقت‭.. ‬ومتغيرات‭ ‬الليل‭ ‬والنهار‭.. ‬لم‭ ‬يأخذ‭ ‬معه‭ ‬سلاحه‭.. ‬مستندًا‭ ‬بمشاعر‭ ‬الاطمئنان‭ ‬بداخله‭.. ‬ومتوسمًا‭ ‬أن‭ ‬سلام‭ ‬المحبة‭ ‬كاف‭ ‬للحماية‭ ‬والانقاذ‭.. ‬أخذ‭ ‬معه‭ ‬فقط‭.. ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬الحصان‭ ‬من‭ ‬علف‭.. ‬ولاستخدامه‭ ‬الشخصى‭ ‬زمزمية‭ ‬ماء‭.‬
**ظل‭ ‬طول‭ ‬الرحلة‭ ‬يغنى‭.. ‬الشمس‭ ‬دليله‭ ‬حتى‭ ‬غربت‭.. ‬اسلمته‭ ‬للقمر‭.. ‬ومنه‭ ‬للنجم‭ ‬القطبى‭.. ‬ومن‭ ‬حين‭ ‬لآخر‭.. ‬تتنامى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أصوات‭ ‬حيوانات‭ ‬الصحراء‭ ‬تنادى‭ ‬بعضها‭.. ‬بنداء‭ ‬المحبة‭.. ‬والاشتياق‭.. ‬غفا‭ ‬قليلاً‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬الحصان‭ ‬على‭ ‬اعتقاد‭ ‬انه‭ ‬يعرف‭ ‬الطريق‭.. ‬فقط‭ ‬امسك‭ ‬اللجام‭ ‬بيد‭.. ‬وبالأخرى‭ ‬باقة‭ ‬الورد‭ ‬التى‭ ‬ظن‭ ‬أنه‭ ‬سمعها‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬الحبيبة‭.. ‬عيونها‭ ‬وقوامها‭ ‬واشتياقها‭.. ‬وعددت‭ ‬كل‭ ‬زهرة‭ ‬مهمتها‭ ‬فى‭ ‬الترحيب‭ ‬المنتظر‭.‬
ومن‭ ‬فرحته‭ ‬ظن‭ ‬انها‭ ‬تغنى‭ ‬ليشعر‭ ‬برائحة‭ ‬طيبة‭.. ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬باقة‭ ‬الزهور‭.. ‬هى‭ ‬الوصفة‭ ‬السحرية‭ ‬التى‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬الزهور‭.. ‬الطير‭ ‬المعتد‭ ‬للمحبة‭ ‬والعشق‭.. ‬والصفح‭ ‬والتسامح‭.. ‬والمعبر‭ ‬المفضل‭ ‬عن‭ ‬الامنيات‭.‬
**يبدو‭ ‬انه‭ ‬أثناء‭ ‬الليل‭.. ‬خدعته‭ ‬الظلمة‭.. ‬فقاده‭ ‬الحصان‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬آخر‭ ‬بدا‭ ‬مع‭ ‬الصباح‭ ‬انه‭ ‬بلا‭ ‬نهاية‭.. ‬وصاحبه‭ ‬شمس‭ ‬حامية‭.. ‬اشعتها‭ ‬ملتهبة‭ ‬أعجزته‭ ‬عن‭ ‬الرؤية‭ ‬الواضحة‭.. ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تسللت‭ ‬الحمى‭ ‬إليه‭.. ‬وتمسك‭ ‬بالكاد‭ ‬باللجام‭.. ‬وكادت‭ ‬باقة‭ ‬الزهور‭ ‬ان‭ ‬تسقط‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.. ‬إلى‭ ‬المجهول‭ ‬لكنه‭ ‬قاوم‭.. ‬وقاوم‭ ‬استحضر‭ ‬وجهها‭ ‬الجميل‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬الوعى‭.. ‬وبعد‭ ‬زمن‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬تحديده‭ ‬توقف‭ ‬الحصان‭ ‬عند‭ ‬واحة‭ ‬خضراء‭.. ‬تتوسطها‭ ‬بحيرة‭ ‬فيروزية‭ ‬الماء‭ ‬توقف‭ ‬الحصان‭ ‬فى‭ ‬مدخل‭ ‬البحيرة‭.. ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬النزول‭.. ‬تطلع‭ ‬إلى‭ ‬باقة‭ ‬الزهور‭ ‬مستندًا‭ ‬مطمئنًا‭.. ‬وجد‭ ‬أوراقها‭ ‬تكاد‭ ‬تجف‭.. ‬وسيقانها‭ ‬فى‭ ‬طريقها‭ ‬للذبول‭.. ‬تحسست‭ ‬يداه‭ ‬زمزية‭ ‬الماء‭.. ‬فوجدها‭ ‬خالية‭ ‬تمامًا‭ ‬بدون‭ ‬قطرات‭.‬
**توجه‭ ‬إلى‭ ‬الشمس‭ ‬فى‭ ‬وسط‭ ‬السماء‭.. ‬وضع‭ ‬يديه‭ ‬على‭ ‬عينيه‭.. ‬تحسبًا‭ ‬من‭ ‬الأشعة‭ ‬الساخنة‭.. ‬واستطاع‭ ‬التمتمة‭ ‬بالشهادة‭.. ‬ومعها‭ ‬ما‭ ‬تذكر‭ ‬من‭ ‬دعاء‭.. ‬لحظات‭ ‬خارجة‭ ‬من‭ ‬حساب‭ ‬الزمن‭.. ‬بعدها‭ ‬ظهرت‭ ‬فجأة‭ ‬الحبيبة‭.. ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬الواحة‭ ‬بعد‭ ‬طول‭ ‬انتظار‭.. ‬دموع‭ ‬الفرح‭ ‬انسابت‭ ‬على‭ ‬باقة‭ ‬الورد‭.. ‬تدفقت‭ ‬أعادت‭ ‬لها‭ ‬نضرة‭ ‬الحياة‭.. ‬المعجزة‭ ‬حركت‭ ‬العزيمة‭ ‬والإرادة‭ ‬بداخله‭.. ‬نزل‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬الحصان‭.. ‬متجهًا‭ ‬إلى‭ ‬حبيبته‭.. ‬قدم‭ ‬لها‭ ‬الورد‭ ‬الذى‭ ‬اعادته‭ ‬دموعه‭ ‬للحياة‭.. ‬وهمس‭ ‬انه‭ ‬قدم‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬جديد‭.. ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬خطوات‭ ‬الحلم‭ ‬مع‭ ‬الحبيبة‭.. ‬يغرسان‭ ‬الزهور‭ ‬فى‭ ‬أرض‭ ‬الواحة‭ ‬أولاً‭.. ‬وبعدها‭ ‬تأتى‭ ‬التفاصيل‭ ‬مصحوبة‭ ‬بالأحلام‭.‬
صالح إبراهيم

تم نسخ الرابط