**ترك مسكنه.. ذاهبًا إلى موعد لقاء حبيبته.. كان صادق العزم فى تحمل المشقة.. والسفر إلى المكان البعيد.. الذى تسكنه.. وقلبه منذ قابلها مصادفة.. فى سوق المدينة تبحث عن فستان أبيض.. فى صحبة حارس مهمته أن يمنع عنها المتطفلين.. والمحدقين فى جمالها الربانى.. ولم يدر أن نظرة الحبيب قادرة على اختراق الحواجز والغمام.
سافر على فرسه الاشهب.. على طريق يمتد بلا نهاية.. يشق الكثبان الرملية.. وينافس فى سرعته السحاب.. حاملاً باقة من الزهور التى تتحدث بلغة العشق والوجد.. بكلمات سحرية تحتفظ بشفرتها قلوب المحبين لم يكن يعرف مقصده سوى الفرس الصديق.. همس فى اذنه بالمكان وهو يناوله حبات السكر قبل الرحيل.. لم يلتفت إلى الوقت.. ومتغيرات الليل والنهار.. لم يأخذ معه سلاحه.. مستندًا بمشاعر الاطمئنان بداخله.. ومتوسمًا أن سلام المحبة كاف للحماية والانقاذ.. أخذ معه فقط.. ما يلزم الحصان من علف.. ولاستخدامه الشخصى زمزمية ماء.
**ظل طول الرحلة يغنى.. الشمس دليله حتى غربت.. اسلمته للقمر.. ومنه للنجم القطبى.. ومن حين لآخر.. تتنامى العديد من أصوات حيوانات الصحراء تنادى بعضها.. بنداء المحبة.. والاشتياق.. غفا قليلاً على ظهر الحصان على اعتقاد انه يعرف الطريق.. فقط امسك اللجام بيد.. وبالأخرى باقة الورد التى ظن أنه سمعها تراهن على شكل الحبيبة.. عيونها وقوامها واشتياقها.. وعددت كل زهرة مهمتها فى الترحيب المنتظر.
ومن فرحته ظن انها تغنى ليشعر برائحة طيبة.. قادمة من باقة الزهور.. هى الوصفة السحرية التى جعلت من الزهور.. الطير المعتد للمحبة والعشق.. والصفح والتسامح.. والمعبر المفضل عن الامنيات.
**يبدو انه أثناء الليل.. خدعته الظلمة.. فقاده الحصان إلى طريق آخر بدا مع الصباح انه بلا نهاية.. وصاحبه شمس حامية.. اشعتها ملتهبة أعجزته عن الرؤية الواضحة.. وسرعان ما تسللت الحمى إليه.. وتمسك بالكاد باللجام.. وكادت باقة الزهور ان تسقط على الأرض.. إلى المجهول لكنه قاوم.. وقاوم استحضر وجهها الجميل حتى لا يغيب عن الوعى.. وبعد زمن لم يستطع تحديده توقف الحصان عند واحة خضراء.. تتوسطها بحيرة فيروزية الماء توقف الحصان فى مدخل البحيرة.. لكنه لم يستطع النزول.. تطلع إلى باقة الزهور مستندًا مطمئنًا.. وجد أوراقها تكاد تجف.. وسيقانها فى طريقها للذبول.. تحسست يداه زمزية الماء.. فوجدها خالية تمامًا بدون قطرات.
**توجه إلى الشمس فى وسط السماء.. وضع يديه على عينيه.. تحسبًا من الأشعة الساخنة.. واستطاع التمتمة بالشهادة.. ومعها ما تذكر من دعاء.. لحظات خارجة من حساب الزمن.. بعدها ظهرت فجأة الحبيبة.. قادمة من قلب الواحة بعد طول انتظار.. دموع الفرح انسابت على باقة الورد.. تدفقت أعادت لها نضرة الحياة.. المعجزة حركت العزيمة والإرادة بداخله.. نزل من على ظهر الحصان.. متجهًا إلى حبيبته.. قدم لها الورد الذى اعادته دموعه للحياة.. وهمس انه قدم إلى عالم جديد.. وعليه أن يبدأ خطوات الحلم مع الحبيبة.. يغرسان الزهور فى أرض الواحة أولاً.. وبعدها تأتى التفاصيل مصحوبة بالأحلام.
صالح إبراهيم