نشر أخي الحبيب الأستاذ الدكتور محمد المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر السابق مقالا للأستاذ الدكتور محمد المسير أستاذ العقيدة والفلسفة (رحمه الله تعالى) يتحدث فيه عن التهاون في منح تقدير ممتاز لبعض الباحثين، ومن ثم التهاون في تقييم رسائلهم وفحصها كما ينبغي حتي استهان المستهترون بالبحث العلمي وبقدسيته ،بل أقول وبخطورته.
ومن المعلوم بالضرورة أن البحث العلمي المقبول في أبسط تعريف له: هو ما أضاف جديداً ينتفع به،فإن لم يكن كذلك كان شيئاً آخر سوي أنه بحث علمي.
ومن ثم أقول للباحث: لا تكن حاطب ليل.
والعِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَمرحبا بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،
ويقال للمخلط في كلامه وأمره: حاطب ليل، مثلا له لأنه لا يتفقد كلامه كحاطب الليل لا يبصر ما يجمع في حبله من رديء وجيد.( العين ٣/١٧٤)
وفي تاج العروس (٢/٢٩٥) : ... قال الأزهري: شبه الجاني على نفسه بلسانه بحاطب الليل، لأنه إذا حطب ليلا ربما وقعت يده على أفعى فنهشته، وكذلك الذي لا يزم لسانه ويهجو الناس ويذمهم ربما كان ذلك سببا لحتفه. وفي أمثال أبي عبيد: (المكثار حاطب ليل) وأول من قاله أكثم بن صيفي، أورده الميداني في حرف الميم، والثعالبي في المضاف والمنسوب.
وقال سليمان بن موسى : الذي يأخذ كل ما سمع ذاك حاطب ليل . تاريخ دمشق لابن عساكر (٢٢/٣٨٧) .
وقال ابن سعد في الطبقات الكبرى : أخبرنا مطرف بن عبد الله، قال قال رجل لمالك: "قد سمعت مائة ألف حديث". فقال مالك: "مائة ألف حديث! أنت حاطب ليل تجمع القشعة" فقال: "ما القشعة ؟ " قال: "الحطب يجمعه الإنسان بالليل، فربما أخذ معه أفعى فتنهشه".
وقيل في نصيحة أهل الحديث (ص: ٣٢) أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي أنا علي بن عبد العزيز البردعي نا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال في كتابي عن الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي وذكر من يحمل العلم جزافا فقال هذا مثل حاطب ليل يقطع حزمة حطب فيحملها ولعل فيها أفعى فتلدغه وهو لا يدري قال الربيع يعني الذين لا يسألون عن الحجة من أين .
وفي المدخل إلى كتاب الإكليل (ص: ٢٨) سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي يقول : مثل الذي يطلب العلم بلا حجة مثل حاطب ليل يحمل حطب فيها أفعى تلدغه وهو لا يدري .
قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم (١/ ٣٢٧) : قال سليمان بن موسى : " يجلس إلى العالم ثلاثة : رجل يأخذ كل ما يسمع فذلك حاطب ليل، ورجل لا يكتب ويسمع فيقال له جليس العالم، ورجل ينتقي وهو خيرهم"، وقال مرة أخرى : «وذلك العالم» . قال ابن عبد البر : العرب تضرب المثل بحاطب الليل للذي يجمع كل ما يسمع من غث وسمين، وصحيح وسقيم، وباطل وحق؛ لأن المحتطب بالليل ربما ضم أفعى فنهشته وهو يحسبها من الحطب.
وقال الذهبي : قال يحيى بن يوسف الزمي: حدثنا ابن عيينة: قال لي عبد الكريم الجوزي: يا أبا محمد، أتدري ما حاطب ليل؟ قلت: لا. قال: هو الرجل يخرج في الليل، فيحتطب، فيضع يده على أفعى، فتقتله، هذا مثل ضربته لك لطالب العلم، أنه إذا حمل من العلم ما لا يطيقه، قتله علمه، كما قتلت الأفعى حاطب الليل. سير أعلام النبلاء (٥/ ٢٧٢) .
وأختم بنصيحة للأفاضل من الأساتذة وأنا من قبلهم: حملنا أمانة العلم فلنتق الله ربنا فيها.