ads
الأحد 22 ديسمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

التليغراف أنقذ "الطيار".. وأحال الأوراق إلى النيابة العامة للتحقيق

المستشار سامح عبد
المستشار سامح عبد الله

قضت محكمة جنايات المحلة الكبرى برئاسة المستشار سامح عبد الله ببراءة متهم من تهمة حيازة مواد مخدرة على الرغم من صدور إذن النيابة العامة بضبطه وتفتيش شخصه ومسكنه بسبب عيب أصاب إجراءات القبض والتفتيش . 

دفع محام المتهم ببطلان القبض والتفتيش الواقعين على المتهم أمام المحكمة مستنداً إلى خمس برقيات تليغرافية كان ذو المتهم قد أرسلوها إلى جهات عدة يستغثون فيها من القبض على المتهم . تبين للمحكمة أن جميعها كانت قبل صدور إذن النيابة العامة مما يثبت أن المتهم تم القبض عليه قبل صدور هذا الإذن مما يوصمهما بالبطلان .

قضت المحكمة ببراءة المتهم وأمرت بإحالة الأوراق إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها نحو واقعة القبض على المتهم في غير الأحوال التي يجيزها القانون .

قالت المحكمة في حكمها أنها لا يمكن أن تغض الطرف عما أصاب الشرعية الإجرائية من عوار مشددة على أن وجود المخدر في حيازة المتهم على فرض صحته لا يغني أبداً عن وجوب احترام شرعية القبض والتفتيش التي لا يستقيم الحكم الجنائي بدونها .

قالت المحكمة في حيثيات حكمها في القضية رقم ٣١٧٧ لسنة ٢٠٢٤ جنايات قسم ثالث المحلة والمقيدة برقم ١٢٧١ لسنة ٢٠٢٤ كلي شرق طنطا.. بعد تلاوة أمر الإحالة وسماع طلبات النيابة العامة والمرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونًا إن النيابة العامة اتهمت يحى الطيار لأنه في يوم ٢٩ / ٤ / ٢٠٢٤ بدائرة قسم ثالث المحلة محافظة الغربية .

- أحرز جوهراً مخدراً هيروين بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح بها قانوناً .

-  أحرز سلاحاً نارياً "فرد خرطوش" دون ترخيص .

- أحرز ذخائر (طلقة واحدة) مما تستعمل على السلاح الناري محل الاتهام السابق دون أن دون أن يكون مرخصاً له حيازته أو إحرازه .

وطلبت عقابه بالمواد ١، ٢ ، ١/٧، ١/٣٤ بند أ، ٢ بند ٦ ، ١/٤٢ من القانون ١٨٢ لسنة ١٩٦١ المعدل والبند رقم -٢- من القسم الأول -أ- من الجدول رقم -١- الملحق بالقانون الأول والمستبدل بقرار رئيس هيئة الدواء المصرية رقم رقم ٦٠٠ لسنة ٢٠٢٣ . وبالمواد ١ / ١ ، ٦ ،٢٦ / ١ ، ٤ / ٣٠/ ١ من القانون رقم ٣٩٤ لسنة ١٩٥٤ المعدل والجدول رقم -٢- الملحق بالقانون الأول  . وركنت في إسنادها إلى ما شهد به شاهد الإثبات وما ثبت من تقريري المعمل الكيماوي وقسم الأدلة الجنائية .

فقد شهد نقيب فوزى الموافي أنه بناء على تحريات سرية بقيام المتهم بحيازة وإحراز المواد المخدرة في غير الأحوال المصرح بها قانوناً وكذلك حيازة وإحراز الأسلحة النارية والذخائر بغير ترخيص استصدر إذناً من النيابة العامة لضبط وتفتيش شخص ومسكن المتهم وملحقات مسكنه . 

وأنه تنفيذاً لهذا الإذن قام بضبط المتهم بالطريق العام ممسكاً بيده كيساً بلاستيكياً بفضه تبين أن بداخله سلاحاً نارياً عبارة عن فرد خرطوش تحتوي خزينته طلقة من ذات العيار وبتفتيشه عثر بمختلف جيوب جلبابه على خمسة وثلاثين لفافة كل منها يحتوي على قدر من جوهر الهيروين المخدر .

وثبت من تقرير المعمل الكيماوي أن المضبوطات تحتوي على جوهر الهيروين المخدر .

كما ثبت من تقرير قسم الأدلة الجنائية صلاحية السلاح الناري والطلقة المضبوطين للاستعمال .  وحيث إنه باستجواب المتهم بتحقيقات النيابة العامة  التحقيق أنكر ما نسب إليه من اتهام وقرر أنه تم القبض عليه فجر الأربعاء الساعة الخامسة يوم ٢٤ / ٤/ ٢٠٢٤ من منزله بنمرة البصل مركز المحلة وأن هناك من شاهد واقعة ضبطه هو المدعو/ محمد عبد الفتاح الحنش حيث تصادف وجوده أمام منزله حين القبض عليه .

وحيث إنه بجلسة المحاكمة حضر المتهم معتصماً بالإنكار والدفاع الحاضر معه طلب براءته مما نسب إليه من اتهام تأسيساً على بطلان القبض والتفتيش لوقوعهما قبل إذن النيابة العامة وكذلك لعدم جدية التحريات وعدم معقولية تصوير الواقعة.

وقدم سنداً لدفعه ببطلان القبض والتفتيش أصل خمس برقيات تليغرافية ثابت بها جميعا أن القبض على المتهم كان قبل صدور إذن النيابة العامة .

البرقية التليغرافية

فقد ثبت من البرقية الأولى والمرسلة من زوجة المتهم إلى المستشار المحامى العام الأول لنيابات شرق طنطا أن وقت استقبالها من قبل مكتب البريد كان يوم ٢٥ / ٤ / ٢٠٢٤ الساعة التاسعة وثلاث عشرة دقيقة صباحاً .

وثابت من البرقية الثانية أنه تم استقبالها يوم ٢٥ / ٤ / ٢٠٢٤ الساعة السادسة وستة وأربعون دقيقة مساءً . وثابت من البرقية الثالثة أنه تم استقبالها يوم ٢٦ / ٤ / ٢٠٢٤ الساعة السابعة وتسع دقائق مساءً . وثابت من البرقية الرابعة أنه تم استقبالها يوم ٢٧ / ٤/ ٢٠٢٤ الساعة الثانية عشرة وثلاث وثلاثون دقيقة مساءً .

وثابت من البرقية الخامسة أنه تم استقبالها مكتب البريد يوم ٢٩ / ٤/ ٢٠٢٤ الساعة العاشرة وتسعة وأربعون دقيقة صباحاً وكلها تدور حول القبض على المتهم من بيته يوم ٢٤ / ٤/ ٢٠٢٤ فجراً كما قرر بتحقيقات النيابة .  

وحيث إنه عن الدفع ببطلان القبض والتفتيش لوقعهما قبل إذن النيابة العامة فإن المحكمة تقدم لقضائها في هذا الشأن بالقول أن المشرع ومن بعده أحكام القضاء قد أحاطوا قواعد القبض والتفتيش بضمانات جدية باعتبار أنها من القواعد الأساسية التي تمس مخالفتها مصلحة جوهرية في المجتمع ، تتمثل في حماية الحرية الشخصية بما يكون له مردود مباشر على حماية المجتمع بأثره باعتبار أن أهم عنصر في تكوين المجتمع هو الفرد ذاته . وهذه الأهمية هي التي حدت بمحكمة النقض المصرية في أول الأمر أن تعد البطلان الراجع إلى مخالفة القواعد الأساسية للقبض والتفتيش من قبيل (البطلان الذاتي) أي من النظام العام ( نقض ٢٧ ديسمبر ١٩٣٣) تحكم به محكمة النقض من تلقاء نفسها .

أكثر من ذلك أن محكمتنا العليا في هذا التطور من أطوار قضائها ، قد تجاوزت في ذلك السبيل الحدود التي رسمتها محكمة النقض الفرنسية ، فقضت بأنه إذا أوجب القانون عند إجراء التفتيش حضور شهود فهذا إجراء جوهري تمس مخالفته النظام العام لما فيه من معنى العلانية .(نقض ٤ مارس سنة ١٩٣٥) وحتي بعد أن عدلت محكمة النقض عن خطتها هذه وجرى قضاؤها على أنه إذا كان الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الموضوع ببطلان التفتيش فلا يجوز له أن يطعن أمام محكمة النقض بهذا البطلان ، إلا إذا كان ما جاء في الحكم من الوقائع دالاً بذاته على وقوعه ، إذ القول بهذا البطلان يستوجب تحقيقاً موضوعياً وذلك مما لا شأن لمحكمة النقض به .(نقض ٣١ مايو سنة ١٩٤٣).

حضور واقعة التفتيش

نقول أنه حتى مع عدول محكمة النقض عن خطتها بشأن حضور شهود واقعة التفتيش فقد أرست مبادئ كلها تدور حول حقيقية راسخة وهى أنه

متى تقرر بطلان التفتيش أو الضبط فإنه يتناول جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة ، بمعنى أنه يتعين على المحكمة أن تطرح الدليل المستمد منه ، فلا يصح لها الاعتماد عليه ولا على شهادة من أجروه ولا على ما أثبتوه في محضرهم أثناء هذا التفتيش من أقوالٍ واعترافاتٍ مقول بحصولها أمامهم من المتهم لأن مثل هذه الشهادة تتضمن في الواقع إخبار متهم عن أمر ارتكبوه مخالفاً للقانون . (نقض ١١ يونيه سنة ١٩٣٥)

لكن بطلان التفتيش لا يترتب عليه حتماً البراءة ، بل تجوز إدانة المتهم بناء على أدلة أخرى منفصلة عن التفتيش الباطل .

كما أن زوال البطلان جائز برضاء المتهم شرط أن يكون صريحاً لا لبس فيه ، حاصلاً قبل التفتيش وعن علم بظروفه ، فلا يستنتج من مجرد السكوت ، إذ من الجائز أن يكون هذا السكوت منبعثاً عن الخوف والاستسلام فاستناد محكمة الموضوع إلى هذا الرضاء الضمني لا يصح . (نقض ٢٨ ديسمبر ١٩٤٢) بل إن البطلان لا يزول بالرضاء ولو كان صريحاً إذا كان من حصل التفتيش لديه لا يعلم قبل إجرائه بأن من يباشره لا حق له قانوناً في ذلك . (نقض ١١ نوفمبر سنة ١٩٤٦. نقض فرنسي ١٥ أبريل سنة ١٩٣٤).

تفتيش المساكن

وحيث إنه بعد هذا التقديم نقول إنه وإن جاز لمأمور الضبط القضائي القبض على الأشخاص وتفتيشهم فإن ذلك يجب أن يكون تحت مظلة الشرعية الإجرائية التي رسمها المشرع وهو أن تتوافر حالة التلبس بالجريمة التي نصت عليها المادة -٣٠- من قانون الإجراءات الجنائية على سبيل الحصر ، وأما بشأن تفتيش المنازل فقد اشترط المشرع توافر شرطان شكليان لازمان لصحته وهما:

أولاً: تسبيب أمر التفتيش وقد صار ذلك استحقاقاً دستورياً راسخاً وهو ما نصت عليه المادة ٩٢/ ٢ من قانون الإجراءات الجنائية بقولها:" تفتيش المنازل عمل من أعمال التحقيق ولا يجوز الإلتجاء إليه إلا بمقتضى أمر من قاضي التحقيق .. وفي جميع الأحوال  يجب أن يكون أمر التفتيش مسبباً"

وقد كان لمحكمة النقض المصرية موقفاً عظيماً حين أوجبت إعمال نص الدستور الذى يقضي بوجوب تسبيب أمر تفتيش المنازل حتى قبل تعديل المادة - ٩١- من قانون الإجراءات الجنائية والنص عليه بيد أننا نشدد على ضرورة أن يحمل هذا التسبيب مقومات وجوده الجوهرية والتي من أجلها صار استحقاقاً دستورياً دون أن يفرغ من مضمونه .

ثانياً: أن يحصل تفتيش منزل المتهم بحضوره أو من ينيبه عنه إن أمكن ذلك ، إلا أن ذلك ليس شرطاً جوهرياً لصحة التفتيش . (نقض ١٩ / ٦ / ١٩٧٢)

فإذا انتفت حالة التلبس القانونية أضحى القبض على المتهم وتفتيشه باطلين . ( إلا إذا كان هناك أمراً بضبطه وإحضاره صادر من النيابة العامة صحيحاً وسارياً) وإذ لم يوجد أمر من النيابة العامة بتفتيش منزله وقع التفتيش باطلاً وكل ما يترتب عليه مباشراً.

وحيث إنه لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن أمر النيابة العامة بضبط وتفتيش شخص ومسكن المتهم وملحقات مسكنه قد صدر يوم ٢٨ / ٤ / ٢٠٢٤ الساعة الثانية والنصف مساءً بينما قدم المدافع مع المتهم الأول أصل أربع برقيات تليغرافية تشكو فيها زوجته القبض على المتهم بتواريخ سابقة على صدور إذن النيابة العامة ثم ألحقتها ببرقية خامسة بذات المضمون – وإن كان تاريخ استقبالها بمكتب البريد بعد صدور إذن النيابة العامة –

الأمر الذى يثبت معه للمحكمة بالدليل القاطع أن القبض على المتهم وتفتيشه قد وقعا قبل استصدار إذن النيابة العامة بما يوصمهما بالبطلان .

فلما كان ذلك وكانت الأوراق قد خلت من أية دليل مستقل عن الدليل الباطل يمكن أن يُسند إلى المتهم من توافر حالة تلبس قانونية بالجريمة أو اعتراف منه سواء أمام سلطة التحقيق أو أمام المحكمة الأمر الذى يكون الدليل المستمد من الأوراق قد وقع باطلاً لا حجة له ولا أثر يترتب عليه إلا البطلان ذاته وهو الأمر الذى لا تتردد المحكمة معه في القضاء ببراءة المتهم مما نسب إليه ومصادرة المخدر والسلاح الناري المضبوطين وإحالة الأوراق إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها فيما فينا أثير بالأوراق من احتجاز المتهم في غير الأحوال التي تصرح بها القوانين .

الشرعية الإجرائية

والمحكمة إذ تذهب بقضائها إلى ما انتهت إليه ببراءة المتهم تنوه إلى أنه ليس من المقبول أن تُهدر الشرعية الإجرائية على هذا النحو ثم تُقدم الأوراق إلى القضاء ظناً أنه يمكن أن يبث فيها صحتها التي ذهبت عنها بينما على القضاء أن ينتصر إلى ما أملاه النص الدستوري بما يملكه من علوٍ وإلي النص الإجرائي بما يملكه من قطعٍ . كما أن المحكمة  تُذكِّر في هذا المقام بتلك الكلمات الخالدة التي جاءت بتقرير لجنة الشيوخ وتقرير اللجنة التشريعية بمجلس النواب عن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الصادر في ٣ سبتمبر ١٩٥٠ والتي تقول:

"ولئن حق العقاب على الطالح فإن الحرية أحق بالصالح ، ولن يكون الغرض من أحكام الإجراءات الجنائية ألا يفلت المجرم من العقاب فحسب ، بل كذلك ألا يتعرض البرىء لما يتعرض له المدان ، فيجب أن تحقق قواعد هذه الإجراءات للمجتمع بحقين يصعب التوفيق بينهما:

ألا يفلت الآثيم من العقاب والثانى ، احترام الحريات"

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة حضورياً ببراءة يحى الطيار مما نسب إليه من اتهام ومصادرة المخدر والسلاح الناري المضبوطين وبإحالة الأوراق إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها فيما أثير بالأوراق من احتجاز المتهم في غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين .

تم نسخ الرابط