الأربعاء 30 أكتوبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

**هناك‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الدرامية‭ ‬ما‭ ‬يدخل‭ ‬مباشرة‭ ‬للقلب‭.. ‬يغذى‭ ‬الوجدان‭ ‬يحفز‭ ‬خلايا‭ ‬التفكير‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬أفضل‭ ‬وأكثر‭ ‬نفعا‭.. ‬وفى‭ ‬النهاية‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬اخراج‭ ‬طاقات‭ ‬الحب‭ ‬والود‭ ‬مصحوبة‭ ‬بالجديد‭ ‬من‭ ‬نبع‭ ‬الإبداع‭.. ‬انها‭ ‬أعمال‭ ‬يتصدى‭ ‬لها‭ ‬مبدعون‭ ‬حقيقيون‭.. ‬يدركون‭ ‬قيمة‭ ‬الفن‭ ‬فى‭ ‬النهوض‭ ‬بالمجتمع‭ ‬والحياة‭.. ‬بالتالى‭ ‬تظل‭ ‬خالدة‭ ‬فى‭ ‬الذاكرة‭.. ‬حاضرة‭ ‬للاستعادة‭.. ‬لا‭ ‬ينساها‭ ‬المرء‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭.‬
قد‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬شهرة‭ ‬عالمية‭.. ‬تناولت‭ ‬موضوعا‭ ‬بسيطا‭ ‬لم‭ ‬تلجأ‭ ‬للوسائل‭ ‬والأساليب‭ ‬المبهرة‭.. ‬ليست‭ ‬باهظة‭ ‬التكاليف‭.. ‬لكنها‭ ‬غنية‭ ‬بالمضمون‭ ‬ويجذبك‭ ‬إليها‭ ‬بساطة‭ ‬التناول‭ ‬والتنفيذ‭.. ‬منها‭ ‬بالتأكيد‭ ‬الفيلم‭ ‬الألمانى‭ ‬الرائع‭ ‬(‬هايدى)‬‭ ‬الذى‭ ‬اختارت‭ ‬الابنة‭ ‬الوفية‭ ‬أن‭ ‬نشاهده‭ ‬معا‭ ‬فى‭ ‬سهرة‭ ‬عائلية‭.‬
**يحكى‭ ‬الفيلم‭ ‬قصة‭ ‬فتاة‭ ‬ريفية‭ ‬‮«‬‮٨‬‭ ‬سنوات‮»‬‭ ‬يتيمة‭ ‬الأبوين‭.. ‬تعيش‭ ‬مع‭ ‬عمتها‭ ‬فى‭ ‬سويسرا‭.. ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬أقارب‭ ‬سوى‭ ‬جدها‭ ‬العجوز‭.. ‬الذى‭ ‬يحيا‭ ‬منعزلا‭ ‬فى‭ ‬كوخ‭ ‬صغير‭.. ‬يقع‭ ‬فى‭ ‬أحضان‭ ‬الجزء‭ ‬السويسرى‭ ‬من‭ ‬جبال‭ ‬الألب‭.. ‬حيث‭ ‬يتحدث‭ ‬السكان‭ ‬اللغة‭ ‬الألمانية‭ ‬وحول‭ ‬الجد‭ ‬شائعات‭ ‬بأن‭ ‬وراء‭ ‬عزلته‭ ‬اتهامه‭ ‬بالقتل‭.. ‬دون‭ ‬أدلة‭ ‬كافية‭.. ‬يبدأ‭ ‬الفيلم‭ ‬بوصول‭ ‬الحفيدة‭ ‬والعمة‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭.. ‬حيث‭ ‬تتركها‭ ‬عند‭ ‬الباب‭.. ‬وتحاول‭ ‬طمأنتها‭.. ‬تطرق‭ ‬هايدى‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬الجد‭ ‬الذى‭ ‬يرفض‭ ‬ان‭ ‬يستقبلها‭.. ‬تبدأ‭ ‬رحلة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفس‭.. ‬تكتشف‭ ‬باب‭ ‬الحظيرة‭ ‬مفتوحا‭.. ‬تدخل‭ ‬للنوم‭ ‬بجوار‭ ‬الماعز‭ ‬التى‭ ‬يمتلكها‭ ‬الجد‭.‬
**يفاجئ‭ ‬بها‭ ‬عند‭ ‬الصباح‭.. ‬عندما‭ ‬قدم‭ ‬ليحلب‭ ‬الماعز‭.. ‬تحدث‭ ‬أولى‭ ‬اشارات‭ ‬التواصل‭ ‬الانسانى‭.. ‬وذوبان‭ ‬جليد‭ ‬القسوة‭.. ‬بتقديمه‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬اللبن‭ ‬للصغيرة‭.. ‬وقرار‭ ‬باستضافتها‭ ‬مؤقتا‭ ‬حتى‭ ‬يلحقها‭ ‬بدار‭ ‬للأيتام‭.. ‬فى‭ ‬القرية‭ ‬القريبة‭ ‬بعد‭ ‬3‭ ‬أيام‭.. ‬سرد‭ ‬خلالها‭ ‬الفيلم‭ ‬اشارات‭ ‬رائعة‭ ‬للتواصل‭ ‬الفطرى‭ ‬بين‭ ‬البشر‭.. ‬وسماح‭ ‬الجد‭ ‬لها‭ ‬بالنوم‭ ‬داخل‭ ‬الكوخ‭.. ‬ثم‭ ‬الحاقها‭ ‬بالعمل‭ ‬مع‭ ‬‮«‬بيتر‮»‬‭ ‬راعى‭ ‬الغنم‭ ‬الصغير‭.. ‬الذى‭ ‬يمر‭ ‬على‭ ‬الكوخ‭ ‬يوميا‭ ‬تقريبا‭.. ‬وهنا‭ ‬تتولد‭ ‬بينهما‭ ‬أواصر‭ ‬الصداقة‭ ‬‮«‬البرية‮»‬‭.. ‬والبريئة‭.. ‬فهو‭ ‬يحصل‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬نصف‭ ‬طعامها‭ ‬يوميا‭ ‬مقابل‭ ‬تعليمها‭ ‬رعاية‭ ‬الماعز‭.. ‬ويدعوها‭ ‬لزيارته‭ ‬حيث‭ ‬يعيش‭ ‬مع‭ ‬جدته‭ ‬العمياء‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬تناول‭ ‬الخبز‭ ‬الناشف‭
**.. ‬وتحتفظ‭ ‬هايدى‭ ‬بهذه‭ ‬الملاحظة‭ ‬فى‭ ‬ذاكرتها‭ ‬وبالفعل‭ ‬فى‭ ‬مشاهد‭ ‬قادمة‭.. ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬خططت‭ ‬العمة‭ ‬لاستعادتها‭ ‬من‭ ‬جدها‭.. ‬الذى‭ ‬قطع‭ ‬خطوات‭ ‬متقدمة‭ ‬للحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬ورعايتها‭.. ‬فيما‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬المؤامرة‭ ‬تنجح‭ ‬العمة‭ ‬فى‭ ‬التحايل‭ ‬عليها‭ ‬وتقديمها‭ ‬لأسرة‭ ‬غنية‭ ‬فى‭ ‬مدينة‭ ‬دوسلدورف‭ ‬الألمانية‭.. ‬رفيقة‭ ‬لابنتهم‭ ‬كلارا‭.. ‬يتيمة‭ ‬الأم‭ ‬وتعانى‭ ‬من‭ ‬الشلل‭ ‬النصفى‭.‬
**تعيش‭ ‬هايدى‭ ‬حياة‭ ‬جديدة‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬المحدودة‭ ‬فى‭ ‬رحاب‭ ‬الجبال‭.. ‬رغم‭ ‬المغريات‭ ‬والحياة‭ ‬الفاخرة‭.. ‬لم‭ ‬تنس‭ ‬أبداً‭ ‬جدها‭.. ‬أو‭ ‬الجبال‭ ‬التى‭ ‬مرحت‭ ‬فى‭ ‬أنحائها‭ ‬ورغم‭ ‬نجاحها‭ ‬فى‭ ‬اجتياز‭ ‬الاختبار‭ ‬الأكبر‭.. ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬إلا‭ ‬ان‭ ‬أحوالها‭ ‬النفسية‭ ‬والصحية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬على‭ ‬مايرام‭.. ‬لافتقادها‭ ‬المعانى‭ ‬الرحبة‭ ‬والغنية‭ ‬للحياة‭ ‬بين‭ ‬أحضان‭ ‬الطبيعة‭.. ‬أصيبت‭ ‬بمرض‭ ‬المشى‭ ‬أثناء‭ ‬النوم‭.. ‬ورأى‭ ‬الطبيب‭ ‬ان‭ ‬علاجها‭ ‬هو‭ ‬عودتها‭ ‬إلى‭ ‬جدها‭.. ‬فى‭ ‬القرية‭.. ‬سافرت‭ ‬بالفعل‭ ‬رغم‭ ‬اعتراض‭ ‬كلارا‭.. ‬ولكنها‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬توديعها‭ ‬وتركت‭ ‬لها‭ ‬نسرا‭ ‬خشبيا‭ ‬صنعه‭ ‬لها‭ ‬الجد‭ ‬واحتفظت‭ ‬به‭.‬
**يستقبل‭ ‬الجد‭ ‬‮«‬هايدى‮»‬‭ ‬بالحب‭ ‬والترحيب‭.. ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬زيارة‭ ‬بيتر‭.. ‬واهداء‭ ‬جدته‭ ‬الخبز‭ ‬الفاخر‭ ‬الذى‭ ‬احضرته‭ ‬من‭ ‬القصر‭.. ‬وبعثت‭ ‬لجدة‭ ‬كلارا‭ ‬تدعوها‭ ‬لزيارتها‭ ‬بضيافة‭ ‬جدها‭.. ‬تتفاعل‭ ‬الطبيعة‭ ‬النقية‭.. ‬مع‭ ‬مشاعر‭ ‬الحب‭ ‬المتدفق‭ ‬من‭ ‬هايدى‭ ‬إلى‭ ‬كلارا‭.. ‬وينتهى‭ ‬الأمر‭ ‬بمفاجأة‭ ‬سارة‭.. ‬بسبب‭ ‬الغيرة‭ ‬حطم‭ ‬بيتر‭ ‬كرسى‭ ‬كلارا‭ ‬المتحرك‭.. ‬وبسبب‭ ‬تفاعل‭ ‬المعانى‭ ‬الخاصة‭ ‬لطبيعة‭ ‬البسطاء‭.. ‬تستعيد‭ ‬كلارا‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬السير‭.. ‬يفاجئ‭ ‬الأب‭ ‬الذى‭ ‬حضر‭ ‬مسرعا‭ ‬لأخذ‭ ‬ابنته‭.. ‬بهذا‭ ‬التطور‭ ‬المذهل‭ ‬ولا‭ ‬يملك‭ ‬سوى‭ ‬التقدم‭ ‬لها‭ ‬بالشكر‭.. ‬وفى‭ ‬لفتة‭ ‬مهمة‭.. ‬تهدى‭ ‬الجدة‭ ‬كتابا‭ ‬جديدا‭ ‬لهايدى‭.. ‬التى‭ ‬أعلنت‭ ‬بكل‭ ‬شجاعة‭ ‬أمام‭ ‬فصلها‭.. ‬اعتزالها‭ ‬احتراف‭ ‬مهنة‭ ‬الكتابة‭.. ‬وهى‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بفعل‭ ‬ما‭ ‬تمتلكه‭ ‬الطبيعة‭ ‬النقية‭ ‬من‭ ‬قدرات‭ ‬ابداعية‭.. ‬ومن‭ ‬جانبى‭ ‬أشكر‭ ‬الابنة‭ ‬الوفية‭.. ‬وأدعو‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬لمشاهدة‭ ‬الفيلم‭ ‬الرائع‭ ‬‮«‬هايدى‮»‬‭.‬

تم نسخ الرابط