ads
الأربعاء 18 ديسمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

في عام ١٩٩٢م صدر كتاب رئيس الوزراء الإسرائيلي ( شيمون بيريز )

عن : ( الشرق الأوسط الجديد)، ثم تبعه عام ١٩٩٥م كتاب أخر لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو عندما قدمه تصورا ومشروعا للحكم تحت عنوان: (مكان بين الأمم..إسرائيل والعالم) ،

وكليهما يجسدان معا عقلية التيه، والشتات، منذ أن خرج اليهودي التائه من مجاهل أوربا حاملا خرجه على ظهره باحثا عن مأوى ، وملجأ للاستقرار، فانطلق من حلم المكان إلى حلم الدوله، للملمة يهود العالم ....

تعيد الحرب الإسرائيلية- الإيرانية الدائره في الراهن إلى الأذهان ضرورة العوده إلى قراءة مثل هذه المؤلفات/ المشاريع لمعرفة مدى التخطيط ،ودقة الروايات التي تبالغ أحيانا في الحديث عن هاجس الابتلاع الإسرائيلي لدول الجوار بل كل الدول العربيه، والمقولة الرائجة والذائعة الصيت( من النيل إلى الفرات) ، هذه الدولة التي تم التخطيط لها في أروقة  خزانات التفكير الأوربيه، والأمريكية، والصهيونية، بالتأكيد ،والقطع ، هي الدولة المستحيله، بالنظر إلى المعاناة التاريخيه التي مر بها يهود العالم على مدى قرنين من الزمان في التاريخ الحديث والمعاصر أي منذ العام ١٨٤٠م عندما ظهرت لأول مره فكرة (البحث عن مكان لليهود ) خارج أوربا، حتى العام ١٩٤٨م وإعلان قيام الدوله ، ثم شارف القرن الثاني على الدخول في ربعه الأخير ،ولم يستقر هذا الإعلان بعد ،كما لم يهنأ اليهود بدولتهم، وقد بات الإستقرار، والتطبيع ، والتعايش في المحيط الإقليمي الهادر الثائر مجرد أضغاث أحلام......

في كتابه المهم عن :( الدوله المستحيله.. الإسلام والسياسة ومأزق الحداثه الأخلاقي ) أفاض وائل حلاق الحديث عن أزمة الدوله الدينيه ، واستحالة تحقيقها على أرض الواقع ،مستشهدا في ذلك بفشل كافة المشاريع التي حاولت إستغلال حالة التدين لدى عموم المسلمين ، وقد أرجع مثل هذا الإخفاق المروع في بعض منه إلى أن البعض من المسلمين أنفسهم غير مقتنع ،والبعض الآخر رافض لاستحالة التوائم ، والتأقلم الزمنمكاني، فيما البعض الثالث قد انخرط في عمق الحداثه وارتضاها نهجا ، وسبيلا لحياته، ولا يملك ترف الاستغناء عن مكتسباتها، وأرجع رفض البعض الرابع والأخير إلى كونهم غير مسلمين أصلا- أي من أهل الذمه- أي الأقليات اليهوديه، والمسيحية، واللادينيين، فإذا كان البحث عن ( الدوله الراشده) في تاريخ المسلمين قد صار ضربا من الاستحاله في بلاد المسلمين أنفسهم، الدوله التي لا تفرط في الدين ، وأيضا تأخذ بأسباب الحداثه ، فماذا عساها أن تكون دولة يهود العالم في بلاد المسلمين ، ومن ثم فإن الدوله اليهوديه التوسعيه تكمن استحالة تحققها على أرض الواقع في المحاور التاليه:-

أولا:- الرفض الإسلامي و العربي  الذي بات على أشده بالنظر إلى المساوئ والحروب ،والاغتيالات التي تنتهجها إسرائيل، وأصبحت تحتفظ بسجل ملئ بالدمويه، والتنكيل بالخصوم، وقد استفاضت الأدبيات العربيه بكتابات عديده للممانعه، والرفض ،والمقاومه ،وفشل مشاريع التطبيع ،والتعايش ، والبحث عن مكان بين الأمم.

ثانيا:- التناقضات داخل المجتمع الإسرائيلي ذاته ، المنقسم على نفسه، فهناك تيارات ،وأحزاب ، وجماعات لاتزال ضد فكرة الدوله بجغرافيتها الحاليه ،وأن التوسع فيه انتحارا للفكرة اليهودية برمتها ، والمؤرخين الجدد في إسرائيل لا يتحمسون للمقولات التاريخيه عن دولة النيل والفرات ، التي قد تودي بالذي تحقق ،وأن ابتلاع إسرائيل سيكون قدرا محتوما ،إذا ما أستمر حكامها في حالة العداء الدائم هذه ضد العرب وغير العرب. 

ثالثا:- أن الغرب ذاته بحسب مراكز الأبحاث الأوربيه ، والأمريكيه رفيعة المستوى ،والشأن ، (كارنيجي- راند- ستانفورد ) لا يرغبون جميعا في هكذا توسع لأنه يضرب عمليا الرأسمالية في مقتل ،حيث اقتصاديات الدول العربيه المنهوبه، والمسلوبه، والمستغله، والتي تتغذى عليها قوى الحداثه ، ومؤسسات العولمه ،وأن الدعم المقدم لإسرائيل لا يعني رغبة الغرب في تفوقها الكاسح على كل خصومها، وإنما الحفاظ على تماسكها في مواجهتهم، ومنع المعادله من الانفلات والانهيار.

رابعا:- حالة التدين السياسي العالمي ، فالمسلمين لهم رؤيه حضاريه لفلسفة الكون والوجود، ونهاية الزمان، يدافعون عنها بضراوة تاريخية، تبدأ من الإعتقاد بأبي البشر، رسالة أدم عليه السلام، وتنتهي بمقولة الحجر أن  :( يا مسلم هذا يهودي خلفي فأقتله ) كما أن المسيحيين لديهم أيضا تصورا عن نهاية الكون قوامه تهيئة الأرض لعودة المسيح عليه السلام ليحكم الألف سنه السعيده، ما يعني التفوق الكاسح والنهائي للحضاره الأنجلو سكسونيه ، وكلاهما يقاوم فكرة اليهوديه عن نهاية الزمان ،فالسماح بدولة التوسع يعد ضربا من الاستحالة، وتفريطا متعمدا للمقدس لدى عموم المسلمين ، والمسيحيين.

خامسا :- الحداثه السائله ، وانهيار الأنساق الكبرى، والتعاقدات الأخلاقيه التي حكمت العالم عرفا وقانونا في الشرق الأوسط لعقود طويله ،فالكتابان لكل من: ( بيريز، ونتنياهو ) قد صيغا وتم إعدادهما في زمن تماسك المؤسسات الدوليه، والإقليمية، ووقوفها على أقدامها ، فضلا عن ضعف الدول الوطنيه، وتفتت البعض منها إلى جهويات، ومذهبيات، وعرقيات، مايعني عدم مركزية القرار السياسي ، وتأثر فاعليته إن وجد، بدليل أن الحرب الإسرائيلية الراهنه هي بأكثريتها ضد الفواعل المسلحه من غير الدول:( حماس- حزب الله اللبناني- أنصار الله الحوثيين في اليمن) وهذه حروب إنهاك، وشد للأطراف، وعضا للأصبع، طويلة الأمد، فالسيوله التي يشهدها العالم في كل شئ لا تسمح بهكذا أفكار توسعيه. 

سادسا:- تعارض المشروع الإسرائيلي مع المشاريع التوسعيه الأخرى غير العربيه مثل المشروع التركي، الذي ما أن يبدأ في البحث عن العثمنه والحنين إلى الماضي التليد، ودولة الخلافه لتكوين عالم تركي جديد إلا وتتكالب عليه الأزمات من كل إتجاه،  مشكلة الأكراد ،والمياه، وغاز المتوسط ،فضلا عن رفض فكرة الخلافه بمفهوها التوسعي، وجماعة الخدمه في الداخل والخارج المناهضه لحزب العداله ثم المشروع الإيراني التوسعي الذي استفاق بعد إسقاط نظام البعث في العراق عام ٢٠٠٣م وأخذ في التمدد الإستراتيجي في سوريا، ولبنان، والمنطقه الشرقيه في السعوديه، والبحرين، واليمن الجنوبي، فالمشروع الشيعي وبدرجه أقل التركي يقفان حجر عثره أمام التوسعات الإسرائيلية المحتمله، كما نشهده في الراهن من الحرب الإسرائيلية- الإيرانية... 

سابعا:- كتاب : (مكان بين الأمم .. إسرائيل والعالم  ) ثم كتاب : (الشرق الأوسط الجديد) لم يعد أي منهما صالحا للتداول المعرفي والقبول الثقافي لعموم النخبه العربيه الموثوقه، فقد بالغا في الحديث عن القوه الغاشمه الإسرائيلية، ودورها في الردع لدول الجوار ، ولم يتناول أي منهما لحقائق الانقسامات الداخليه في المجتمع الإسرائيلي ،  وتحدث كل منهما عن سلام الأقوياء ،فمالم يتحقق بالتفاوض فالعنف المفرط كفيل به ، وتحدثا عن نظره فوقيه لإدارة اقتصاديات المنطقه بحيث يختص اليهود بالبنوك وريادة الأعمال، ولم يقرا مبدأ الإعتماد المتكافئ ، ولا يقدمان معا أي حديث عن القوه/القوى الناعمه فالأداب والفنون، والثقافة بمفهومها الحضاري الشامل لم تشغل بال صانع المحتوى في الكتابين ، وعدوها ضربا من النسيان والاستحاله في التطبيع ،

ومن ثم لم يقدم أي منهما جديدا يختلف عن الكتابات الصهيونيه واليهودية المتداوله،  وهما تلخيص مختصر للفهم والمعرفه عن إسرائيل في دولتها التوسعيه المستحيله.....!!!!

تم نسخ الرابط