مما استحدثه الناس في أمور الزواج في عصرنا ما يسمى بقائمة المنقولات الزوجيَّة، حيث يلجأ كثير من أهل الزوجات لطلب كتابة قائمة ورقيَّة بممتلكات العروس كضمان لسلامتها في بيت الزوج، وتشمل هذه القائمة مصاغها الذهبي الذي قدَّمه الزوج مهرًا لها، وكذا ما كانت تملكه قبل الزواج من ذهب ونحوه من ميراث أمِّها أوممَّا اشتراه أهلها لها، كما تشمل هذه القائمة مفردات جهاز الزوجيَّة من أثاث وأجهزة كهربائيَّة ..وغيرها.
والقائمة ليست جزءًا من عقد الزواج، ولا شرطًا من شروط صحته، ولم يرد في شرعنا ما يستحسنها أو يجعلها من مندوبات الزواج، ولم يرد نصٌّ يدل على أنَّ سلفنا الصالح كانوا يكتبونها عند تزويج بناتهم، حيث كانت تقتصر عقود تزويجهم على النصِّ على المهر وغالبًا كان يسيرًا، ثم يعقد العقد بالإيجاب والقبول في حضور الولي والشهود، ثم يقوم الزوج بتجهيز مسكن الزوجيَّة بما تيسر له، ثم يتم الزواج مَبْنِيًّا على الثِّقة والتقارب الذي يحدث بهذا الزواج، حتى أطلق عليه الناس نسبًا؛ لما فيه من تقارب بين أسرتي الزوج والزوجة، وكأنهم أنساب تربط بينهم صلة توالد، مع أنَّ العلاقة في الأصل علاقة مصاهرة وليست نسبًا، فالنسب خاص بالأرحام والمصاهرة التزويج :{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}،والذي جعل كثيرًا من الناس يطلبون قائمة منقولات من الأزواج هو ما انتشر بين الناس من تعدي كثير من الأزواج على ممتلكات زوجاتهم، نتيجة الضغوط الاقتصاديَّة، وتلك التجاوزات التي أدخلتها الأعراف على أمور الزواج من المبالغة في جهاز العروسين، وما يصاحبه في كثير من الأحيان من ديون يعجزون عن دفع أقساطها؛ ولذا يكون التفكير الأقرب هو بيع مصاغ الزوجة الذهبي لسداد الديون، ثم مع انتشار فساد الذمم فإنَّ بعض الأزواج لا يكتفي بهذا الاعتداء وإنما قد ينكر أنَّه أخذ شيئًا من الزوجة.
وهذا كلُّه يرجع في الأساس إلى البعد عن منهج الشرع، بداية من كيفيَّة اختيار الشريك ونهاية بالخوف ومراقبة الجليل، وإدراك عاقبة أكل مال الغير بغير وجه حقٍّ، فالذمم الماليَّة في الإسلام منفصلة، ومنها ذمم الأزواج، فمال الزوجة لا حقَّ للزوج فيه على الإطلاق، وهي ليست ملزمة بقضاء ديونه ولو كانت غنيَّة وكان هو فقيرًا، كما أنَّ ذمة الزوج الماليَّة منفصلة عن ذمة زوجته، وليس لها في ماله إلا ما يكفيها وولدها بالمعروف، ولو التزم كلُّ طرف بهذه الضوابط ما كان هناك حاجة لهذه القوائم التي أرهقت الناس وتسببت في انتهاء زيجات كثيرة، وضياع الوُدِّ والرحمة والفضل ؛ ليحِلَّ محلَّ كلِّ ذلك محاضر الشرطة وساحات النيابات ومحاكم الأسرة.
ومن الأفضل أن تُبْنَى العلاقات الزوجيَّة على الثقة والأمان وليس قوائم المنقولات، وربما في بعض الأحوال إيصالات الأمانة والشيكات، وكأنَّ الزواج أصبح شركة ماليَّة خالصة لا عاطفيَّة ووجدانيَّة، فإذا أصرَّ أهل العروس على كتابتها، فلا أرى في شرعنا ما يمنعها متى قبلها الزوج، ورضي بأن يكون ملك الزوجة الذي في بيته في عهدته وضمانه.
فلا مشكلة في القائمة لذاتها، وإنما تكمن المشكلة في التجاوزات في كتابتها، والتي تخرجها عن معاناها الذي يجعلها مقبولة، ومن ذلك:
كتابة أشياء لم يتفق عليها كهمر للزوجة، كزيادة عدد جرامات الذهب عن القدر الذي تم الاتفاق عليه بالفعل، فالمُتَّفَقُ عليه ربما يكون نصف ما كُتِبَ في القائمة، وزيادة مفردات جهاز العروس، حيث يكرِّر الشيء الواحد كالشاشة والغسالة والثلاجة أكثر من مرة....ففي القائمة ثلاث شاشات وفي الحقيقة واحدة مثلًا، كما يُدَوَّنُ فيها أحيانًا أشياء لا وجود لها أصلًا.
ومن ذلك : كتابة أثمان مخالفة للثمن الحقيقي من باب توقع ارتفاع الأسعار مستقبلًا.
ومنها كتابة ما تملكه الزوجة بالفعل وما يملكه الزوج أيضًا، وما يملكه الزوج وهو ما قام به من تجهيز بيت الزوجيَّة لا يكون للزوجة، إلا إذا كان مشروطًا عليه كجزء من المهر عند الموافقة على تزويجه، أمَّا ما تشارك به الزوجة مختارة في تجهيز بيت الزوجيَّة فهو على ملكيَّتها، وينتفع الزوجان بالجهاز معًا انتفاعًا مشتركًا، وما يتلف منه يتلف على ملك صاحبه، ولا يحقُّ له أن يطلب من الآخر عوضًا عنه، فإذا انتهت العلاقة الزوجيَّة بالطلاق ونحوه ، فلكلِّ طرف ما يملكه، وللزوجة حقوقها المترتبة على الطلاق من نفقة ونحوها.
وهذه التجاوزات التي تكون عند كتابة القائمة تجعلها سيفًا مسلَّطًا على رقاب الأزواج، ويترتب عليها حالة من العداء والبغض الشديدين بعد الانفصال، مع أنَّ شرعنا وجَّهَنَا لبناء العلاقة على المودة والرحمة :{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ، فإذا انتهت أمرنا بعدم نسيان الفضل بيننا :{ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
الفضل
وليس من الفضل ما تقوم به الزوجة إذا وقع الطلاق حيث تأخذ ما تملكه وما يملكه زوجها قانونًا، ولكن من جهة الشرع كلُّ ما أخذت من أشياء وهميَّة ضمتها القائمة، أو لم يأخذها الزوج بالفعل وادعتها عليه كما يحدث في الذهب خاصة، حيث يكون في حوزتها وتدعيه على الزوج مستغِلَّة القائمة، وكذا ما يمتلكه الزوج في بيته ولم يُشْرَطْ عليه كجزء من المهر، فإن أخذته فقد أكلته وأهلها إن كانوا يعلمون سحتًا وباطلًا وإن حكم لها به قانونًا.
ونصيحتي إلى الشباب لا تتعجلوا في التوقيع على القائمة دون الاطلاع عليها، ومن حقِّك رفض التوقيع عليها بالكليَّة، ولا تُستغل بعين الحياء؛ فتوقع دون أن تطلع من باب حسن النوايا، فطلب القائمة يعني أنَّ أهل الزوجة تعاملوا معك بالتحوط وليس بالثقة ،ومن حقِّك أن تتعامل معهم بهذا المبدأ ،لا سيما وأنَّ التوقيع على هذه القائمة لا يلزمك شرعًا، ومن حقِّك أن ترفض التوقيع على أيَّة قائمة، فإن قبلت المبدأ فهذا شأنك، ولكن وقِّع على ما هو موجود بحوزة زوجتك في بيتك فقط، ولا تستهين بهذا التوقيع دون أن تطلع على ما دُوِّنَ في القائمة، فسلامة النيَّة لن تشفع لك حين ترى نفسك مطالبًا بكلِّ ما دُوِّنَ في القائمة، فتدفعه رغمًا عنك، أو تجد نفسك خلف القضبان.
ونصيحتي لأهل العروس أحسنوا اختيار زوج ابنتكم، فهذا يغنيكم عن القوائم والاشتراطات، «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» ، وإن زوجتها تقيًّا فلست بحاجة لتك القائمة، فهو إن أحبَّها أكرمها وإن بغضها لن يظلمها، واعلموا أنَّ المال الحرام لن يغنيكم ولن يشفي غليلكم ممن كان زوجًا لابنتكم وربما أبًا لأحفادكم.
نشر هذا المقال في مجلة صوت الأزهر