ads
الجمعة 22 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

استيقظت باكرا وأنا أشعر بالنشاط، فكرت في حزم أوراقي وجهاز "اللاب توب" والذهاب إلى المقهي المفضل لي.. فتحت دولاب ملابسي، واحترت أمام فساتيني المتناقضة الشكل، تناقض يتناغم مع شخصيتي؛ فهذه فساتين طويلة وأخرى قصيرة، البعض يغلب عليها اللون الأسود والقليل منها ملونا ومنقوشا.

أنا أعشق ارتداء الفساتين، أشعر بأنني فراشة ملونة، زهرة تعشق قطرات الندي، راقصة بالية رشيقة.

اخترت فستانا قصيرا أزرق اللون مرسوم عليه أزهار بيضاء، وارتديت حذاءا خفيفا، حتى أستطيع القفز على السلالم التي تقابلني في الطريق.

كان المقهى مزدحما بشكل غريب في هذا الوقت المبكر، ولحسن ظني كانت منضدتي المفضلة فارغة، تلك القابعة في الزاوية أو كما أطلق عليها " في الركن البعيد الهادئ".. وضعت الأوراق واخرجت قلما وفتحت جهاز "اللاب توب" على "المسقط الافقي" المطلوب تعديله، ثم ذهبت لأطلب فنجان القهوة وأكدت على النادل "بن فاتح مضبوط" 

كانت رائحة القهوة تغشى المكان، ملأت قلبي سعادة، وأشعلت بداخلي المزيد من النشاط والرغبة في العمل.

ابتسمت لفنجان القهوة وتنسمت رائحته، رائحة الصباح والشباب.

كتبت القليل من الملاحظات وأنا اشرب قهوتي على مهل، وعندما بدأت في التنفيذ، جذبتني أصوات الموجودين حولي.. وأخذت أتأمل المحيطين بي؛

فالثلاثة رجال المتجاورين لي، كانوا يناقشون أحد الأعمال، وصوتهم العالي يتداخل مع بعضهم البعض، كل فرد منهم يري أن فكرته أكثر ربحًا.

أما الفتاة التي أمامي فهي تتحدث في الهاتف منذ أن جلست، وجدتها تبتسم بهدوء، وتهمس، ثم تفلت منها ضحكة عالية، كان يبدو عليها أنها تحب، كنت ابتسم لابتسامتها وتزيد ابتسامتي كلما نظرت هي للأسفل خجلًا.. فعلى ما يبدو فهي تسمع كلمات الاطراء ، أتكون هذه حلاوة البدايات التي يتحدثون عنها؟ لا أدري فأنا لا أؤمن بالحب!

وأخيرا هدأ المكان قليلا، وأنا أرنو للجالسين، أحدهم لم يتوقف عن التدخين وهو يعمل على جهاز الكمبيوتر اللوحي الخاص به، ومجموعة من الفتيات الصغيرات يضحكن بلا انقطاع وبلا سبب، وشابة في مرحلة جامعية كانت تشكو لأخرى من صديقة لها ، كانت تقول ( ينفع اللي هي عملته؟) أدرت رأسي بعيدا عنها نحو ذلك الرجل المتجهم والذي كان يشرب قهوته بسرعة وكأنه على موعد ما.

كان المقهى أنماطًا مصغرة من أشكال الحياة؛ المال، الأعمال، الحب، الغيرة، الهموم….

نظرت إلى ساعتي، اتسعت عيناي وأنا أقول: معقول مرت ساعتان!!!!!

نعم مر الوقت ولكنني لم أنجز شيئا متعلق بعملي، لقد سحرتني وجوه الناس، سرقتني حياة الآخرين، وسرقوا هم وقتي الثمين.. يقولون أن من يراقب الناس يموت كمدًا، بينما كانت وجوههم منفذا لبحر الأفكار، لقد تساءلت لماذا كان هذا الرجل يبدو عليه التجهم الشديد، ما الذي يجعله لا يستمتع بقهوته، فالقهوة تتطلب التأني، ما الذي يدعوه للجلوس على المقهي، مادام هناك ما يشغله ويستعجله، أم تراه يعد ويرتب لأمر ما؟ هل هو بصدد اتخاذ قرار عظيم، أم يعد لجريمة أو سرقة؟!!! رسمت ملامح ذلك الرجل بمخيلتي ربما أكتب عنه قصة يومًا ما.

وفجأة، قررت أن ألملم أدواتي، وعدت إلى المنزل وأنا هائمة مع أفكاري، لا أدرى لماذا استعيد ذكريات كنت قد نسيتها، كلما ذهبت لتناول فنجان القهوة، فهل القهوة تهبنا النشاط أم تستثير الذكريات؟

على العموم لا يهم، يكفيني سعادتي بفستاني المنقوش، والذي قررت أن لا أرتديه ثانية، فقد كان اختيارا خاطئا منذ البداية، فقد كان واجبا أن ارتدي فستانا أسود فهو اللون المحبب لي.. لا أفهم ما سبب هذا التقلب الدائم، إلا أن السعادة التي أجدها في فنجان القهوة رغم مرارة الطعم، تحمل في مكوناتها الإجابة.

 

تم نسخ الرابط