إن تقدير العقوبة من خلال تقريرها، يتعلق بعوامل موضوعية تتصل بالجريمة ذاتها، وبعناصر شخصية تعود لمرتكبها، بما مؤداه قيام علاقة حتمية بين سلطة القاضي في تقدير العقوبة وتناسبها مع الجريمة.
ذلك أن إيقاع جزاء في غير ضرورة بصورة مجردة، يجر ألوانا من المعاناة، تخالطها آلام تفتقر إلى مبرراتها.
ومن هنا، كان مناط مشروعية العقوبة، أن يُباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، من منظور موضوعي يتعلق بها وبمرتكبها.
فلا مِراء أن البحث السابق على الحكم في شخصية المتهم، هو الإجراء الذي يجب على القاضي اتباعه، للوصول إلى تقدير سليم لمدى خطورته الإجرامية، حتى يستند إليها في تقدير الجزاء الجنائي، أما ثبوت الوقائع المكونة لها أو عدم ثبوتها، فهي مسألة موضوعية بلا جدال، تستقل به محكمة الموضوع في التقدير، أما إضفاء الخطورة على هذه الوقائع أم لا، فهي عملية تكييف قانونية لتلك الوقائع التي يتثبت القاضي من توافرها.
فمقتضى أن القانون يرتب آثارا قانونية على توافر الخطورة الإجرامية، أنه يَعتبر وصف شخصية المجرم بالخطيرة عملية قانونية لا تترخص فيها محكمة الموضوع سلطة تقدير مطلقة، ولذلك فإن محكمة النقض تزاول رقابتها، وفقا لما استقرت على الأخذ به م الضوابط القانونية التي يحددها المشرع، لكي يمارس القاضي وفقا لها سلطته في تقدير الخطورة أم لا.
وإدراكا من محكمة النقض لخطورة تخليها عن الرقابة على المنطق القضائي في اختيار الجزاء الجنائي، فقد سطرته قولا وعملا في العديد من أحكامها، سائلة قاضي الموضوع حسابا عن مدى سلامة تقديره للعقوبة.
واضطردت أحكامها على استعمال المادة ١٧ من قانون العقوبات في جرائم حيازة وإحراز الأسلحة النارية والذخائر، بعد أن قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية النص الناهي عن استعمالها، وذلك دون أن تنقض الحكم.
كما وأن قانون حالات وإجراءات الطعن بالنقض ذاته، قد رخَّص لها بموجب المادة ٣٩ منه أن تُصحح الحكم إذا كان مبنيا على مخالفة للقانون، أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله، تاركا لها أمر تقدير العقوبة، تختار بين حَدَّيها، دون إلزام بقدر محدد.