التفوق قيمة أساسية في أيّ مجتمع، وهو أحد أساليب المجتمعات المتحضرة في التسويق غير المباشر لنفسها، ويعد التفوق الدراسي أحد أشكال التفوق الصعب، لأنّه يُحجّم قوة مرحلة المراهقة الشبابية لمهمات إلزامية لغاية محددة تتمثل في التميّز بين الأقران للحصول على فرصة وظيفية مضمونة في ظل تناثر الفرص الوظيفية في الأوضاع الحالية، وبالتالي فالمتفوق له هدف دفع ثمنه من مرحلة عمرية متوهجة، فهو يشبه النار التي وقودها الذهب، إذا انطفأت دون أن يحصل منها على الدفء والاطمئنان سيكون الذهب في عينه رماد، وهو منتهي هدم القيمة في المجتمع والإضرار بالسلم المجتمعي، وتعيين أو تكليف المعيدين في الجامعات هو غاية المتفوق الدراسي، الذي كظم وهج مرحلة مراهقته بالمذاكرة والاجتهاد لينال فرصة التعيين كمعيد في الجامعة، فتخيّل معي أن ينتهي للا فائدة من اجتهاده وتفوقه لعدم تعيينه!!، أو اللا فائدة للمؤسسة الأكاديمية في حالة تعيينه بعد فوات الأوان.
ففي حالة عدم تعيينه على المدى القريب أو البعيد، يرى هذا الشخص الذهب رماد فعلياً، ويفقد قيمة التفوق والاجتهاد، مالم يكن ارتكازه على فرض هدفه وليس انتظاره، من خلال وضع هذا الهدف فوق الجميع والمكافحة بسبل متعددة ومتوازية لتحقيقه، حتى يأتي اليوم الذي ترى مؤسستة الأكاديمية أن وجوده فيها إضافة لها، وهذا ليس بمستحيل ولدينا نماذج عالمية لم تتح لها فرص التعيين الأكاديمية فعملت في تخصصاتها حتى أتى اليوم الذي سعت إليه المؤسسة التي تخرّج منها ليحاضر فيها، ومن الانصاف أن نقول أن هذا الإصرار ليس في كثير، وخاصة أن معظم الشباب يكد ويجتهد ويحاول في ظروف عيش حمّلته ما أفقده الرفاهية، فإصراره على الوصول لهدفه الأكاديمي مع تعدد المشاق إلى قد يعطله الزمن أو يلغيه.
أمّا في حالة عدم تعيين المتفوق حال تخرجه، ينفصل عن مجتمع البحث ومجاله العلمي ويفقد أميّز ما فيه، فيصبح بالنسبة للمؤسسة الأكاديمية لا فائدة من تعيينه، لأنه بفعل الأيام تحوّل من طاقة إنتاجية هائلة يمكن توظيفها بكفاءة إلى عبء وظيفي وإداري وبحثي، فما الفائدة من تعيين مائة معيد مرة واحدة بعد عشر سنوات من توّقف الكلية عن تعيين معيدين؟، غير أنّهم يصبحوا عبء إداري على مؤسساتهم، بعشر الطاقة الإنتاجية الفعلية من تعيينهم وقت تخرجهم، ثم يعطلوا تعينات غيرهم لسنوات، فيتسببوا في فراغ فئة الهيئة المعاونة من الكلية مرة واحدة، فتضطر الكلية لممارسة نفس الأسلوب ليظل تعيين المعيدين للافائدة، وهذا يدعونا لوقفة تنظيمية وإدارية لتحقيق الاستفادة من طاقات المتفوقين المتوهجة، عبر استراتيجية واضحة في ثلاث خطوط عامة:
- على الأقل يكلّف الأول على دفعته فور تخرجه معيداً وهو الأوجب.
فإذا حالت الدرجات المالية دون ذلك ..
- يضم إلى كليته باحثاً بعقد مؤقت بعد تخرجه إذا كان عدم تعيينه مؤقتاً، حتى لا ينفصل عن كليته ويظل قريباً من فرصته.
- أما إذا كان عدم التعيين مؤبداً، يخطر خلال عامين على الأكثر بانعدام الأحقية في التعيين؛ ليتحول إلى مسار بديل لفرصة أخرى يحقق بها ذاته أو يفرض بها هدفه مرة أخرى.
- على أن يُجرم تعيين بدائل له من نظائره بحيل مختلفة وبأي صورة يشعر معها بضياع حقه؛ حتى تنتهي مأساة الانتظار لسنوات بعد التخرج بتفوق للا هدف فيكون الإحباط أكبر وضياع القيمة أوسع، أو يعيش متألماً لحرمانه من حقه الذي أخذه غيره بغير حق.
ومن يرى أن في غير الأوائل على دفعتهم من هو أولى بالتعيين، نقول له راجع نظامك التعليمي، فالعيب ليس بمن تفوق ولكن من وضع له نظم جعلته يتفوق بما لا يفيد، فقواعد تعيين المعيدين في ذاتها منصفة، فلا أسبقية بدون حق ولا أحقية بدون تفوق، فينبغي أن نحافظ على استقلاليتها بتطوير نظم التعليم لإفراز المتفوق الحقيقي، والاستفادة من تعيينه فور تخرجه، ودعم تفوقه وتحفيزه لنحصل منه على أعلى فائدة، وتأهيله لتخريج أجيال تنهض بهذا الوطن العظيم الذي نشرف بالانتماء إليه.