المستشار محمود الروبي يكتب:
ازدواجية العدالة الدولية: حماية الجناة وعقوبة المحكمة
رفضت عدد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول موالية لاسرائيل قرار المحكمة الجنائية الدولية الصادر باعتقال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، بل وصل الأمر إلى تهديد المحكمة بفرض عقوبات في سابقة لم تحدث في التاريخ. وقد قوبل هذا الموقف باستهجان شديد من المدافعين عن العدالة وحقوق الشعب الفلسطيني المقهور الذي تعرض للقتل العشوائي والترويع والتجويع والحصار كما جاء في أسباب المحكمة.
على ما يبدو أن المنظومة الدولية تنهار بشكل متسارع على يد من صنعوها من الدول الكبرى، الذين تخلوا عن القيم التي كانت عنوانًا لتقدمهم على مدار عشرات السنوات، منذ إنشاء عصبة الأمم عام 1920 ومن بعدها الأمم المتحدة عام 1945 حيث حل العصبة ونقل أصولها ومسؤولياتها إلى الأمم المتحدة التى بدأت كالشاب القوى ثم شاخت بعد ان قاربت الثمانون من عمرها .
هذه الدول كانت دائمًا تستخدم المنظومة الدولية لصالحها مستترة بالمبادئ والقانون الدولى ولكن مواقفها الحالية تفضح ازدواجيتها حيث تطارد العدالة بسلاح التمويل وتهدد بتعطيل اجهزة بالامم المتحدة بوقف تمويلها او بسلاح الفيتو كما تفعل الولايات المتحدة للدفاع مصالحها ومصالح إسرائيل بالتبعية بينما فى الوقت ذاته تقدم لنا دروسًا في حقوق الإنسان متقمصة دور وزارة الداخلية في المنظومة العالمية الجديدة حيث كانت تعمل على “إصلاح وتهذيب” ومعاقبة ونبذ المخالفين لها بذريعة القانون الدولي.
السياسة الدولية: أداة للهيمنة لا للعدالة
لا يخفى على أحد أن قواعد السياسة والقانون الدولي صاغها بشكل كبير مفكرون أمريكيون، كما صيغت الديمقراطية ذاتها التي استُخدمت كسلاح لإسقاط أنظمة سياسية بعينها والتدخل وفرض العقوبات على دول أخرى.
نأسف لقد آن الأوان كي تكون السياسة الدولية مكشوفة بأهداف واضحة وصريحة وقد تكون قبيحة بعد أن تم ازالة الستار.
ربما يتعظ الذين كانوا بالأمس القريب يهللون لهذا أو ذاك في الانتخابات الأمريكية يكتشفون اليوم أن النظامين ذات هدف واحد وان اختلفت الطرق فهاريس التي تنتمي لمدرسة بايدن في الحزب الديمقراطي أو ترامب كلاهما يطالب الان بعقاب المحكمة الجنائية الدولية ولا تتغير مواقفهم ابداً من إسرائيل ولا اهدافهم العامة المشتركة .
الخطر المحدق: انهيار النظام الدولي
الأخطر في هذه المرحلة هو أن غرق السفينة الدولية والجفاف الدبلوماسي واختفاء القيم المشتركة التي كانت تمثل أرضية للحوار يُؤدي إلى انتقال العالم إلى سياسة القوة بدلًا من قوة السياسة
هذا التحول قد يقود بشكل متسارع إلى سقوط مروع وسريع وغير آمن، دون وجود نظام عالمي بديل.
عندها لن تكون بين الدول سوى الحلول العسكرية أو استخدام أدوات القوة الشاملة بالمفهوم الواسع حيث ستلجأ كل دولة إلى ما يعبر عن قوتها وقدراتها لتحقيق مصالحها
هذا الخطر بدا واضحًا في تعطيل تفعيل أدوات النظام الدولي مثلما رأينا عجز رئيس منظمة الأمم المتحدة عند معبر رفح عن إدخال المساعدات واليوم نجد المحكمة الجنائية الدولية تبدو عاجزة عن تنفيذ قراراتها لانها تعتمد على الدول الأعضاء فى التنفيذ وليس لها جهاز تنفيذ.
ما بعد العدالة المنحازة: العالم في خطر
إن انهيار المنظومة الدولية رغم أنها كانت في أحيان كثيرة منحازة إلا أن اختفاءها وتجريدها التام من صلاحياتها سيجعل العالم عُرضة لحروب دائمة ومدمرة
خاصة مع وجود أسلحة نووية وأنماط حروب متطورة للغاية يستخدم فيها الذكاء الاصطناعي العسكري وأدوات خفية ربما تظهر بشكل مفاجئ .
المشهد اليوم يُنذر بمستقبل غامض وخطير. إذا لم تتحرك الدول لإصلاح النظام العالمي الحالي أو إيجاد بديل أكثر عدلًا
فإن البشرية قد تواجه مستقبلًا مظلمًا، تسوده الفوضى والصراعات التي لا نهاية لها.