لاشك أن التداعيات التي صاحبت سقوط سوريا بشار في بضعة أيام تركت خلفها علامات إستفهام عظيمة تدعو إلى التأمل والأناة ، إبتداء بموقف القوات المسلحة المريب إزاء عدم المقاومة وتسليم سوريا لقوات المعارضة في مشهد دراماتيكي ، تزامناً مع الصمت المُطْبق للحليف الروسي صاحب القواعد ، والظهير الإيراني المتجذر في الأراضي السورية ، مروراً بالهدوء الأمريكي ، عطفاً على التوغل الاسرائيلي الغاشم بإحتلال المنطقة العازلة وشن غارات جوية على مقدرات الجيش السوري تعد الأكبر في تاريخ حروبها مع العرب ، قدرتها الإحصائيات بثلاثمائة طلعة جوية استهدفت البر والبحر ، حيث دمرت الأسطول البحري ومنظومة الدفاعات الجوية والصواريخ ومخازن الذخيرة لتبقى سوريا بلا درع وبلا سيف ، وتعلن في تحد سافرٍ للعالم بأسره أنها أجهزت على مقدرات الجيش السوري بالكامل تحت دعاوى زائفة ، فوق إعلان نتنياهو عن نقض معاهدة فض الاشتباك المبرمة مع سوريا في ١٩٧٤ بالمخالفة للقانون الدولي والإيذان بإحتلال بلدات وأراض سورية ،
أكبر الظن عندي أن الطريق نحو إسقاط الأسد لم يكن صدمة للإدارة الأمريكية أو مفاجئة لها ، ولكني أزعم أن ثمة اتفاق دبلوماسي وأمني رفيع المستوى تم بين القوى الدولية والإقليمية وثيقة الصلة بالشأن السوري تحت مظلتها ، وذلك بتوفيق المصالح المشتركة بينهم تقديما وتأخيرا ، انتهى إلى تقليم أظافر القط الفارسي للحد من نفوذه في المنطقة ، ومغازلة تركيا بالتلويح بورقة الأكراد ، وإطلاق يد الكيان في الأراضي السورية بحصانة أمريكية ، بعد إستباحة الأسد عبر برقية " المهمة إنتهت" ومباركة التغيير ، لم يستيقظ العالم أو الشعب السوري على أن بشار الأسد تبدل لوحش كاسر وطاغية متجبر يستحق الخروج عليه ، فإن بشار اليوم لايزال هو بشار الأمس ، بيد أن مهمته في المنطقة هي التي انتهت ، ليعقبها فتح صفحة جديدة في رسم خريطة المنطقة ، حتى أن نتنياهو وقف منتشياً وأعلن أن سقوط الأسد ونظامه يوما. تاريخياً في الشرق الأوسط ، معرباً عن مد يده للتعاون.... مع من ؟! الدروز والعلويين والمسيحيين وكأنه ليس هناك شعب سوري يتعاظم فيه قطاع عريض من السنة في إشارة إلى تفكيك سوريا وتقسيمها. طوائف وأوزاع والمضي قدماً في المؤامرة الكبرى التي تحاك بمنهجية المستشرق الأمريكي برنارد لويس ضد العرب قاطبة منذ أمد طويل لتحقيق الحلم والأمن الصهيوأمريكي في الشرق الأوسط الجديد ، ويا ليت يفيق الغافلون من سباتهم بأن الدائرة ستدور عليهم طال الوقت أم قصر فقائمة المغدور بهم أكبر من أن تحصى ، في تأملي دون أن أقفز على المستجدات القادمة مع الأخذ في الاعتبار أنني ضد ديكتاتورية نظام الأسد الأب والإبن ومن المؤيدين للديمقراطية ودولة المؤسسات ، وأحسب أن العافية في التداول السلمي للسلطة عبر قنواتها المشروعة دون إراقة نقطة دم واحدة ، أرى أن الأيام المقبلة ستفصح عن الصفقات التي دبرت بليل ومن الخاسر ومن المستفيد الأكبر ، وتبقى البلطجة الإسرائيلية بالغطاء الأمريكي شاهدة على صدق وسلامة إستراتيجية صاحب الطوفان - السنوار رحمه الله - بأن معادلة الردع للكيان ليست في جنبات أروقة الأمم المتحدة ولا في بطون القوانين الدولية ، بل بالجهاد بالحديد والنار ،سيظل طوفان الأقصى النبراس الأوحد الذي ينير لنا وللأجيال القادمة الطريق في ظلمة الليل البهيم ، هذة رؤيتي المتواضعة لا أدعي أنها توافق الحقيقة المطلقة ، ولا أنكر أنها تلامس الواقع الذي أقرأه ، داعياً الله تعالى أن يحفظ سوريا وان تللم جراحها الغائرة في غير بعيد .