حين أعلن الدكتور أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، عن نية الهيئة إطلاق قناة مصرية متخصصة للأطفال، شعرت وكأن هذا القرار يعيد رسم ملامح الطفولة في مصر، كأننا نمد أيدينا إلى جيل جديد لنقول لهم: "نحن هنا نهتم بكم، نهتم بما تشاهدون، نهتم بمستقبلكم". بالطبع لن تكون مجرد قناة، بل نافذة نطل بها على عقول أبنائنا ونغرس فيها قيمنا وأحلامنا وكل ما نحمله من ثقافات وعادات وحضارة ليس لها مثيل في الشرق أو الغرب.
والمتابع للشأن الإعلامي ودراسات الإعلام يعلم بما لا يدع مجالا للشك أننا في أمسّ الحاجة إلى قناة متخصصة للأطفال تعكس روح أطفالنا وتروي قصصهم، فأطفالنا لا يحتاجون فقط إلى الترفيه؛ بل إلى محتوى يتحدث بلغتهم، يفهم اهتماماتهم، ويُبرز عظمة ثقافتهم، وحضارتهم التي ينتمون إليها، هذه الحضارة التي أذهلت العالم على مدار آلاف السنين، يجب أن تكون حاضرَة في قصص الأطفال وألعابهم وحتى أغانيهم.
تخيل يا عزيزي طفلاً يشاهد برنامجًا عن قصص أبطالنا التاريخيين وما أكثرهم قديما وحديثا: مثل: مينا موحد القطرين، وخوفو باني الهرم الأكبر، وأحمس طارد الهكسوس، ورمسيس الثاني وحروبه ضد الاحتلال، وصلاح الدين الأيوبي، والظاهر بيبرس، وشجر الدر وأحمد عرابي، وجمال عبد الناصر والسادات وانتصارات أكتوبر المجيدة، وغيرهم كثير وكثير، قناة تحدثهم عن علمائنا وكتابنا ومثقفينا وشعرائنا، قناة تحدثهم عن حكايات الأجداد وأبطال قصننا الشعبية، وحكايات النيل، هذه ليست مجرد برامج، بل هي بذور تُزرع في النفوس لتثمر أجيالًا تعرف من هي؟ تفخر بماضيها، وتطمح لبناء مستقبل أفضل.
وأنني لأحزن أشد الحزن حين أجد أطفالنا يرددون أغاني أو عبارات من قنوات أجنبية؟ وينطقون بألفاظ ليست من لهجتنا ولا تنتمي إلينا ولا ننتمي لها، وكم مرة تساءلنا عن الرسائل التي يتلقونها من برامج لا نعرف عنها شيئًا؟ قنوات من الشرق والغرب تقدم محتوى مسليًا؛ لكنه يحمل في طياته ثقافات وأفكارًا ليست بالضرورة متوافقة مع قيمنا، بل قد تضع لم السم في العسل، وقد حدث هذا كثيرا خاصة من البرامج المدبلجة المستوردة من ثقافات الغرب وعاداته البعيدة عنا، وهذا مثبوت وواضح في الكثير من الدراسات الإعلامية المنشورة في مجلات البحوث الإعلامية، كذلك ليست المشكلة في الترفيه بحد ذاته، بل في الغربة التي يشعر بها الطفل عندما ينفصل عن هويته، عندما يرى أبطالًا بعيدين عن بيئته، أو يتعلم عادات لا تتماشى مع مجتمعنا، إن ترك أطفالنا لتلك القنوات يعني ترك عقولهم تتشكل بعيدًا عما نؤمن به.
والحق أقول، إن إطلاق قناة للأطفال ليس مجرد مشروع إعلامي، بل هو مشروع لبناء الإنسان، مشروع عظيم طال انتظاره، علينا أن نستثمر في إنتاج محتوى هادف يجمع بين التعليم والترفيه، يمكننا أن نقدم برامج تعلم الأطفال الأخلاق الحميدة بطريقة شيقة، أو رسوم متحركة تحكي عن قصص نجاح مصرية مُلهمة كما ذكرت، أو مسابقات تشجع على التفكير والإبداع، وأنني أرى أن نجاح هذه المبادرة لا يعتمد فقط على الدكتور أحمد المسلماني، بل علينا جميعًا، الدولة عليها أن تدعم هذا المشروع، والمجتمع عليه أن يسهم بالأفكار والمقترحات، والأهم أن نؤمن بأن أطفالنا يستحقون الأفضل، وأن نعمل معًا لتوفير إعلام يُشبههم ويُشبهنا، فأطفالنا يستحقون قناة مفيدة وعظيمة كعظمة هذا الوطن.