الخميس 07 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

التغافل والتجاهل سلوكان قد يلجأ لهما الانسان لسلامة نفسه وسكينة روحه، كل في وقته، ولكن فرق كبير بين الاثنين فالتغافل لغة: تظاهر بالغفلة أو تعمَّدَها.
أما التجاهل: إِظْهَارُهُ عَدَمَ مَعْرِفَتِهِ وَهُوَ يَعْرِفُهُ.
وفي الاول نوع من التغابي لإبقاء الود والاحترام ممن تجاوز في حقك ومازلت تكن له رصيدا من الود ومن هنا كان قول العرب (لَيْسَ الْغَبِيُّ بِسَيِّدٍ فِي قَوْمِهِ ... لكِنَّ سَيِّدَ قَوْمِهِ المُتَغَابِي) (أَيْ المُتَغَافِل).  
لكن التجاهل هو دلالة إهمال وازدراء لعلاقة تقرر تجنبها والتي يسميها علماء الاجتماع Toxic relationship 
وهنا يحضر بيت الشعر العربي "لو ان كل كلب عوى ألقمته حجرا.. لاصبح الصخر مثقالا بدينار"

ولكن هذه التجاوزات همسا ولمزا اغراضا في إفصاح او تلميحا غيبة او بهتة قد توغر الصدر وتشعر بالضيق ، وهنا تأتي عبقرية النص القرآنى 
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)،
بل ان القرآن امر بأن يعفو المسلم ويغفر مع ما يقرره من تغافل او تجاهل!!!رجاءا لمغفرة الله.

فيقول الله فيما نزل في الصديق أبي بكر حين حلف ألا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال ،
(وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة "عندما كان يشتمه كفار قريش وينادونه مذمما، فما كان منه إلا أنه قال:- «أَلَا تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ؛ يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ». (رواه البخاري)
و في قوله تعالى في سورة الفرقان (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَماً)  ما يمنح النفس  وصفة إلهية شافية 
God recipe!

لان الجاهل هو من لا يزن الكلام ولا يقيس الأمور بمقياس العقل او الأدب.
ولذا ان تجاوز أحدهم وكان له ود فما أليق التغافل وان لم يكن له ود فوجب التجاهل وفي الحالين "سلاما سلاما". 
قال الإمام أحمد بن حنبل: (تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل).
وقال  الحسن البصري  (ما زال التغافل من فعل الكرام).
 و يجملها في بساطة ابن الجوزي: (ما يزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام، فإنّ الناس مجبولون على الزلات والأخطاء، فإن اهتم المرء بكل زلة وخطيئة تعب وأتعب، والعاقل الذكي من لا يدقّق في كل صغيرة وكبيرة، مع أهله، أحبابه، وأصحابه، وجيرانه، وزملائه، كي تحلو مجالسته، وتصفو عشرته).

تم نسخ الرابط