الخميس 07 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

حيثيات حبس المتهم بالتنمر على البطلة سما رامي

خلف الحدث

الإعاقة ليست كما يعتقد البعض تتمثل في جسد أيا كان نوعها بل الإعاقة الحقيقية إعاقة فكر ، فالخوف إعاقة ، والتردد إعاقة ، السلبية إعاقة ، فهذا بحق ما يعوق أي إنسان عن تحقيق هدفه ، فالإعاقة الحقيقية تتمثل في الفكر، فالفكر هو الذي يهدم المجتمع وليس الجسد، والدليل على ذلك أن هناك العديد من النماذج الرائعة في حياتنا التي استطاعت أن تتحدى الإعاقة وتضرب نموذج رائع للتحدي واستطاعوا أن يحققوا إنجازات لم يحققها الأشخاص السالمون ! .. بهذه الكلمات عاقبت محكمة الإسكندرية الاقتصادية برئاسة المستشار أحمد حسين الحداد وعضوية المستشارين محمد قنديل وعمرو سليمان ، المتهم مصطفى عبد المنعم صالح بالحبس 3 سنوات مع الشغل والنفاذ وتغريمه 100 ألف جنيه لقيامه بالتنمر على البطلة سما رامي "سفيرة النوايا الحسنة" وأصحاب الهمم من متلازمة داون ، حتى خرجت البطلة سما في 5 ديسمبر الماضي، معلنة قصتها بالتعرض للتنمر وأنها اشتكت إلى النائب العام المستشار حماده الصاوي ، وستحصل على حقها بالقانون .

قالت المحكمة في حيثيات حكمها ، التي جاءت لتضرب أروع الأمثلة ، عما قدمته لنا كافة الشرائع السماوية من النهي عن السخرية والتنمر من أصحاب القدرات الخاصة ، وأشارت المحكمة إلى أن بعض أصحاب الهمم استطاعوا أن يضربوا أروع الأمثلة من أنه  لا شئ اسمه مستحيل ، فقد اهتم العالم بأكمله بذوي الهمم ، وحددت لهم يوم يسمى اليوم العالمي للإعاقة ، تحية لكل هؤلاء الأبطال ذوي القدرات الخاصة الخارقة ، لأنهم بالفعل يمتلكون قدرات اختصهم بها الله ، جعلهم يتميزون عن الجميع بالإرادة والعزم والمثابرة والرضا والقناعة وتحدي الصعاب ، والذين أثبتوا للجميع أن الإعاقة الحقيقية ، إعاقة فكر وليس جسدا ، حيث أن الأمة تنتصر وستنتصر بفضل هؤلاء أصحاب الهمم "ملائكة الله على الأرض" فقد ضربوا أروع الأمثلة للتحدي والإرادة والعزيمة ,اثبتوا للجميع أنهم ذوو قدرات خارقة وتركوا بصمة في كل المجالات وأثبتوا أن الإعاقة الحقيقية إعاقة فكر وليست جسد .

أكدت المحكمة أن الدولة المصرية ورئيسها ، قد اهتموا بهم بأن تم تخصص عام  بأكمله ليكون لذوي الاحتياجات الخاصة ، فأوفى بذلك ، وأعطى الفرصة لهؤلاء بأن يبدعوا وأصبحت مصر الدولة الأولى التي وضعت هءلاء في مناصب قيادية مثل إبراهيم الخولي أو معيد متلازمة داون بكلية الإعلام الجامعة الكندية ورحمة أول مذيعة متلازمة بقناة خاصة لتصبح مصر أول دولة تحترم حقوق الإنسان أفعال ولا تكتفي بالأقوال .

أضافت المحكمة أن ما ارتكبه المتهم يعد تعديا على المجتمع المصري ونشر عبارات على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" والتي من شأنها التحريض ضد ذووي الهم أصحاب متلازمة الداون بسبب أوصافهم البدنية وحالتهم العقلية للحط من قدرهم وإقصائهم من محيطه الاجتماعي وتضرب بيد من حديد على مثل السلوك المشين والذي لا يعبر عن أخلاق المجتمع وتقاليده فهؤلاء الشباب هم في الأساس لديهم شعور بالانخفاض نحو ذاته بسبب اختلافه عن الآخرين وعندما يتم التنمر به فإن هذا الشعور يزداد ويتحول إلى شعور بالعجز النفسي وعدم المقدرة على أخذ حقه والدفاع عن نفسه بصد العنف الممارس ضده فيشعر بأقسى المشاعر الإنسانية وهي القهر وأن التنمر حرام شراعا . 

شددت المحكمة على أن كافة الشرائع السماوية عن التنمر وخاصة الشريعة الإسلامية ، ونهي القرآن الكريم والنبي "ص" نهيا قاطعا وعاما أن تتخذ العيوب الخلقية سببا للتندر أو العيب أو التقليل من شأن أصحابها ، وأنه يجب أن يعطي المعاق حقه كاملا في المساواة مع غيره ليحيا حياة كريمة وطبيعية قدر الإمكان ، ولا يقلل أي أحد مهما كان مركزه في المجتمع من قيمته ولقد اهتم الإسلام بذوي الاحتياجات الخاصة اهتماما كبيرا ، وورد القرآن الكريم ذكر لعدد كثير من صور الإعاقة الشائعة في الناس مثل " الصم- البكم – العمى- العرج- السفه- الإعاقات العقلية- أنواع الأمراض كالبرص وغيرها ، ولا أدل على ذلك من قصة الصحابي الجليل "ابن أم كلثوم" وهو رجل أعمى ، حيث جاء إلى النبي "ص" ، وكان عنده أكابر القوم يدعوهم إلى الإسلام فأعرض عنه النبي ، فنزلت في حقه آيات عتاب رقيق للنبي "ص" حيث قال الله تعالى "عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى ، أو يذكر فتنفعه الذكرى ، أما من استغنى فأنت له تصدى" ونلاحظ هنا أنه في هذه الآيات عاتب الله سبحانه وتعالى نبيه محمد "ص" وهو أفضل خلقه والنموذج الفريد في الرحمة والتعاطف والإنسانية على إعراضه وعدم اهتمامه بابن أم مكتوم ، وفي ذلك إثبات للجميع أن ذوي الاحتياجات الخاصة هم جزء مهم لا يتجزأ من المجتمع ، وأن رعايتهم والعناية بهم وتقديم الخدمات المتميزة لهم هي مبدأ إسلامي مهم من مبادئ وقيم الإسلام العظيمة الخالدة ، ويذكر هنا أن بعد هذه الحادثة كان النبي "ص" يبسط رداءه لابن أم مكتوم ، ويقول له مداعبا ، أهلا بمن عاتبي فيه ربي ، كما أن من أعظم صور العناية بذوي الاحتياجات الخاصة ، إتاحة الفرصة لهم ليقوموا بدورهم في الحياة الاجتماعية ، وأن يندمجوا مع مجتمعاتهم بشكل طبيعي ، فقد كان ابن أم مكتوم رضي الله عنه مؤذنا لرسول الله "ص" وهو أعمى ، كما استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة مرات كثيرة ليصلى بهم ويرعى شؤونهم وهو أعمى ، وهناك أيضا الصحابي عمرو ابن الجموح ، حيث كان شديد العرج وقاتل مع الرسول الكريم في يوم غزوة أحد ، وقتل شهيدا ، فقال رسول الله "ص" والذي نفسي بيده إن منكم من لو أقسم على الله لأبره ، وإن عمرو ابن الجموح منهم ، ولقد رأيته يطأ الجنة بعرجته ، وهكذا فإننا نرى بوضوح أن تقدير واحترام الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة هو توجه إسلامي وقيمة دينية كبرى ، حظى في ظلالها ذوي الهمم بكل مساندة ودعم وتقدير ، حتى وصل بعضهم إلى درجات كبيرة من العلم والمجد والنبوغ ، كما ولقد حرم الإسلام كل ما يخل بتكريم الإنسان أيا كان ، والذي جعله مكرما في آدميته ومن باب أولى ذوي الاحتياجات الخاصة ، كما حث المجتمع بالتأدب معهم بأداب الإسلام التي تزرع المحبة والود وتقطع أسباب الشحناء والحزن ، فيجعل من المحرمات والكبائر السخرية والاستهزاء والهمز أية وسيلة كانت ، حيث قال تعالى" يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون" كما ثبت أن النبي "ص" قال " الكبر بطر الحق وغمط الناس" وغمط الناس احتقارهم والاستخفاف بهم ، فهذا وعيد شديد من اتخذ العيوب الخلقية سببا للتندر أو التلهي أو السخرية أو التقليل من شأن أصحابها ، فصاحب الإعاقة ما هو إلا إنسان امتحنه الله تعالى ليكون فينا واعظا وشاهدا على قدرة الله تعالى ، لا أن نجعله مادة للتهي أو التسلي ، وهكذا نهى القرآن الكريم وهنهى النبي "ص" نهيا قاطعا وعاما أن تتخذ العيوب الخلقية سببا للتندر أو العيب أو التقليل من شأن أصحابها وأنه يجب أن يعطى المعاق حقه كاملا في المساواة بغيره ليحا حياة كريمة وطبيعية قدر الإمكان ولا يقلل أي أحد مهما كان مركزه في المجتمع من قيمته .

شددت المحكمة على أن ما قام به المتهم يعتبر سلوك فردي من شخص تجرد من كل معاني الإنسانية حتى أصبح شخص بلا قلب وناقص العقل ، وأن المتهم هو في الواقع إعاقة على المجتمع ، ولابد أن ينال عقابه عما فعله من سلوك مشين وتعديه على الشباب الذين اعتبروا نموذجا مشرفا وكيفي نقاءهم الداخلي وبدلا من تشجيعهم تعدى المتهم عليهم ونشر تعليقات ومنشورات تنال من كرامتهم واعتبارهم بالمجتمع ، وهو ما ترى معه المحكمة ضرورة أن يكون الجزاء رادعا له ولمثله لكي يقوم سلوكه ويعود إلى رشده ويتعلم أن من حق هؤلاء الشباب العيش داخل المجتمع والاندماج معهم وحقهم في التعليم والعمل.

تم نسخ الرابط