الإثنين 08 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

حين كتب الدكتور زكي نجيب محمود كتابه "عربي بين ثقافتين" سنة ١٩٩٠، كان يتناول خصوصاً الاختلاف بين الثقافتين العربية والغربية والذي أدى إلى وجود مذاقين مختلفين لحياة الإنسان وذلك من خلال مجموعة من الزوايا وهي فكرة المبادئ لعمق موضعها في البيان الثقافي، وزاوية النظر العلمي إلى أوضاع الحياة.

وأثارت كتابته عقول المثقفين، لأنه طرح في هذا الكتاب طريقة تفكيره الذاتية، باعتباره أحد أهم الفلاسفة المصريين المعاصرين، حيث عرّفنا على مراحل تطوُّر تكوينه العقلي وثقافته، من خلال طرح إحدى أهم زوايا هذا التطوُّر وتفرُّده، وهي الجمع بين التعمُّق والاطلاع الكثيف والانتماء إلى الثقافة العربية، وبين اطِّلاعه وتَفاعُله مع الثقافة الغربية.

لاسيما وأن لزكي نجيب محمود تكوين خاص، وتجربة حياتية فريدة، فقد أُتيحَت له فرصة حياةٌ ثقافية امتدت به منذ شبابه الباكر حتى انتصف العَقد التاسع من عمره، ولبِثَت طَوال هذه السنين مفتوحة النوافذ على الثقافة الغربية والثقافة العربية معًا.

لذلك، فهو لم يجد غضاضةً في أي مرحلةٍ من مراحل حياته بين الجمع بين ثقافتين، الشرقية والغربية. فاختار زكي نجيب محمود أول ما اختار فكرة «المبادئ»، ومفهومها في كلتا الثقافتَين العربية والغربية، مُناقشًا فكرة التوفيق بين المفهومَين على الرغم من اختلافهما. وكانت الزاوية الثانية التي نظر منها في مؤلفه، هي زاوية النظر العلمي إلى أوضاع الحياة، مُحللًا باستفاضةٍ طريقةَ التفكير التي مارسها العربي في شتى ميادين الحياة، ومُقارنًا إيَّاها بالنظرة الغربية الحديثة للعلم ومكانته في الحياة.

لكن بالاستقراء الحالي لواقع الحياة، خصوصاً حين نلمسه بصفة مباشرة بين الشباب في الوسط الجامعي بحكم طبيعة عملنا، نرى أنه يمكن إعادة كتابة مثل هذا الكتاب تحت عنوان "البحث بين الهوية العربية". فإننا، بحسب ما نرى، في مرحلة البحث عن الهوية العربية وليس مجرد التوفيق بين ثقافتين.

فكان في كتابه "عربي بين ثقافتين" يدرك تماماً أنه أولاً عربي ينتمي للثقافة العربية، ثانياً، أن هناك ثقافتين مختلفتين ويحاول التوفيق بينهما، مع الاحتفاظ أو محاولة الاحتفاظ -ثالثاً- بهويته العربية أو فكرة المبادئ التي تحدث عنها في كتابه. ثم، أخيراً ورابعاً، كان يعطي للعلم قيمة ويجد فيه منفذاً، ملاذاً لنظرته على أوضاع الحياة.

أما الآن،،،، فالمعادلة تغيرت جذرياً، فقد انغمس الشباب في ثقافات متعددة وليس فقط ثقافتين، بحسب الآثار المختلفة للعولمة، فأصبح هناك إغراق من الثقافات المختلفة. وكذلك ترك الشباب جانباً الكثير من القيم والمبادئ الحميدة التي عرفت عن أخلاق العرب وصفاتهم. فلا أعلم إذ أنهم يدركون جزءاً من تفكير زكي نجيب محمود ، وإن كان لديهم الاستطاعة والقدرة على التحليل مثله، ليجدوا الحلول المختلفة للمواقف التي يمرون بها في الحياة.... فطريقة التفكير لا تفيد فقط في التعليم والحصول على الشهادات المختلفة، بل هي أولاً وأخيراً تساعد الفرد على التعايش والتفكير السليم للخروج من أزماته المختلفة وتخطي الكثير من صعاب الحياة.

ليت شبابنا يعلمون أنهم رائعين كما هم بأصالتهم وسماتهم الشرقية والمميزة. ويدركون تماماً أن تكوينهم العربي، المصري، في وسط الثقافات المتعددة سيجعل منهم كياناً فريداً قد يحير الآخرين في تفسيره.

وأخيراً وليس آخراً،،، يحضرنا في الختام، أبياتٍ شعرية للإمام الشافعي رحمة الله عليه، يتحدث فيها عن دروب الحياة وعن التمسك بالمبادئ بطريقة تجمع بين العزة والسماحة،،،،،

دعِ الأيامَ تفعلُ مـا تشـــاءُ            وطِبْ نفساً إذا حكم القضاءُ

ولا تجزع لحــادثة الليـالي           فما لحوادث الدنيـا بقــاءُ

وكن رجلاً على الأهوال جلداً    وشيمتُك السماحةُ والوفـاءُ

وإن كثرت عيوبُك في البرايـا    وسَرَّك أن يكون لها غطـاءُ

تستَّر بالسخــاء فكلُّ عيـبٍ            يغطيه كما قيل السخـاءُ

ولا تُرِ للأعــداء قــطُّ ذلاً       فإن شماتة الأعداء بـلاءُ

ولا ترجُ السماحةَ من بخيـلٍ          فما في النار للظمآن مــاءُ

ورزقُك ليس يُنقصه التــأني        وليس يَزيد في الرزق العناءُ

ولا حزنٌ يدوم ولا ســرورٌ           ولا بؤسٌ عليك ولا رخـاءُ

إذا ما كنتَ ذا قلبٍ قنــوعٍ      فأنت ومالكُ الدنيا ســواءُ

تم نسخ الرابط