الجمعة 05 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

                    بهاء المري 

يصر الرجل الكبير معالي المستشار "بهاء المري" أن يغمرني بكرمه وفضله وتواضعه، حينما أنزلني منزلا أنا دونه، وأسبغ علي من قلائد الشرف ما تستكثره النفس على ذاتي، فدعاني لكتابة مقدمة لإصداره الجديد عن (دار المفكر العربي) والذي أعده أهم وأخطر ما يخرج على الساحة الفكرية والثقافية والاجتماعية من كتب في هذه المرحلة.
لقد جاء الكتاب جديدًا في طبيعة (المري) واتجاه قلمه، ولون كتاباته، إذ جعلني أنظر إلى الرجل نظرة تختلف عما سبق، حينما كنت أراه شاعرًا أوقاصًا أوأديبًا أوقاضيًا أوباحثًا ومؤرخًا، لكنني اليوم ودون مبالغة، أراه ترقى لرتبة المصلح الاجتماعي، الذي خرج في هذا الكتاب عن صمته وصرخ بأعلى صوته مزلزلا كيان هذا المجتمع، الذي أصبح مرتعا خصبا للشائعات المغرضة والترهات الزائفة، وفقد موازين الوعي والرشد في كل حدث أو قضية تدب فيه، ليبلغ بالأمور شاطئا وعرًا منكرًا فيحيل الحق إلى باطل والباطل إلى حق.
يخطف عينيك هذا العنوان المثير، (هراء الرأي العام، بين نيرة أشرف وصفية السادات) وبسرعة عاجلة تحاور العين العقل في فحوى المحتوى، ترى ماذا يريد وماذا يقول؟


والمري حينما يتحدث في هذا الكتاب ويعالج هذا المرض الاجتماعي العضال، لم يكن غريبًا عنه، ولكنه ذلك الإنسان الذي انغمس فيه واكتوى بناره، حينما طالته الشائعات ولفحه زمهرير الهراء الماسخ من الرأي العام، إبان حكمه في قضية نيرة أشرف طالبة جامعة المنصورة، لقد كان الرجل يتابع ويسمع ويعاين كل يوم من الشائعات الغريبة الكاذبة التي تمسه هو شخصيًا، وتمس الحقيقة من قبله، تلك الخرفات التي تبناها الرأي العام، فحول الضحية إلى جانٍ والجاني إلى ضحية، وظهرت موجة عاتية من التعاطف مع القاتل السفاح، الذي ذبح الفتاة في وضح النهار بلا شفقة أو رحمة، مما تدلل على السخف الذي استوطن العقول، والهراء الذي تمكن من الوعي والخلل الذي سيطر على الفكر.
وأقول: إن كتاب المري لا يعد مجرد كتاب يعرض لقضية من القضايا، أو يتناول حدثا من الأحداث، وإنما هو محكمة ثائرة لهذا المجتمع الذي ألف الشائعة واعتمد الأكاذيب وروج للظنون.
نجح الرجل في مصارحة المصريين بطبيعتهم القديمة أو عيوبهم المزمنة، في حبهم للشائعات، وغرامهم بالأضاليل والأكاذيب، ورفضهم للعقل والرشد وحكم المنطق، فإذا به يستدعي قصة مشابهة من الزمن القديم الذي بينه وبين حادثة اليوم عقود وعقود، فإذا الدهش يتملكنا، والحيرة تخيم بظلالها على مداركنا، حينما رأينا الشبه الوثيق بين المصري الحديث والمصري منذ زمان ولى وفات، نفس الطباع والتصرفات وذات المواقف والتخرصات.
الكتاب ليس كتاب قضاء وحده، وإنما هو كتاب تشبع بكل لون من ألوان العلوم (الدينية والتاريخية والنفسية والاجتماعية والقضائية) سهر عليه صاحبه وخدمه بقوة، ليكون لبنة وبدءا في علاج أخطر بلاءاتنا نحن المصريين.
أحببت اليوم أن أصدر إليكم مقدمتي لهذا العمل العبقري، والتي أعدها شهادة ووساما على الصدر شرفني به هذا العَلم البراق.

تم نسخ الرابط