ads
الأحد 22 ديسمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

وفاة وزير الخارجية الأمريكي المخضرم هنري كيسنجر عن عمر يناهز 100 عام

كسينجر
كسينجر

توفي يوم الاربعاء وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، الدبلوماسي المخضرم ذو النظارات السميكة والصوت الخشن الذي هيمن على السياسة الخارجية عندما خرجت الولايات المتحدة من حرب فيتنام وكسرت الحواجز مع الصين، عن عمر ناهز مائة عام، حسبما أعلنت شركته الاستشارية.
وقالت شركة كيسنجر الاستشارية إنه توفي داخل منزله بولاية كونيتيكت.
وبفضل حضوره الطاغي وشخصيته المهيمنة وامساكه بزمام السلطة من وراء الكواليس، مارس كيسنجر تأثيرا غير عادي على الشؤون العالمية في عهد الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، وحصل على جائزة نوبل للسلام.
وبعد مرور عقود، لا يزال اسم كيسنجر يثير جدلا حماسيا حول معالم السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال تلك الحقبة.
نمت قوة كيسنجر خلال الاضطرابات التي تلت فضيحة ووترغيت، عندما صار مقربا للغاية من الرئيس نيكسون، وصار يشاركه الحكم الى حد كبير.
كتب كيسنجر لاحقا عن نفوذه المتزايد في عهد نيكسون، قائلا ”لا شك أن غروري كان طاغيا. لكن العاطفة السائدة كانت بمثابة إنذار بالكارثة.”
كيسنجر يهودي فر من ألمانيا النازية برفقة عائلته وهو في سن المراهقة، واكتسب في سنواته الأخيرة سمعة رجل دولة ذا هيبة، حيث ألقى خطابات، وقدم مشورة لرؤساء جمهوريين وديمقراطيين على حد سواء، وأدار شركة استشارات عالمية.
ظهر كيسنجر في البيت الأبيض خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب في مناسبات عدة.
لكن وثائق وأشرطة - تعود إلى عهد نيكسون وتسربت على مر السنين - كشفت عن مدى نفوذ كيسنجر في حكومة الولايات المتحدة.
لم يتخلص كيسنجر من منتقديه أبدا، فبعد أن غادر منصبه، طارده منتقدون قائلين إنه يجب استدعاؤه للمساءلة عن سياساته في جنوب شرق آسيا، ودعمه لأنظمة قمعية في أمريكا اللاتينية.
وطوال ثماني سنوات مضطربة، شغل كيسنجر في البداية منصب مستشار الأمن القومي، ثم وزير الخارجية.
تنوع نشاط كيسنجر في نطاق واسع من قضايا السياسة الخارجية الرئيسية. وقام بأول ”جولة دبلوماسية مكوكية” للسعي من اجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط. واستخدم قنوات سرية لمتابعة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، لينهي عقودا من العزلة والعداء المتبادل.
كما أطلق كيسنجر ”مفاوضات باريس” التي وفرت وسيلة لحفظ ماء الوجه وأطلق عليها ”فترة فاصلة لائقة” لإخراج الولايات المتحدة من حربها المكلفة في فيتنام.
كما اتبع سياسة الوفاق مع الاتحاد السوفيتي، والتي أدت إلى ابرام اتفاقيات للحد من التسلح، وأثارت احتمال ألا تستمر توترات الحرب الباردة والتهديد النووي إلى الأبد.
وفي سن التاسعة والتسعين، كان كيسنجر لا يزال يعمل لتأليف كتابا عن القيادة.
وعندما سئل في مقابلة مع شبكة (ايه بي سي) في يوليو/ تموز عام 2022 عما إذا كان يرغب في التراجع عن أي من قراراته، اعترض قائلا ”كنت أفكر في هذه المشكلات طوال حياتي. إنها هوايتي ومهنتي كذلك. 

التوصيات التي قدمتها كانت أفضل ما كنت قادرا عليه في ذلك الوقت.”
وحتى ذلك الوقت، كانت لديه أفكار متضاربة بشأن سجل نيكسون، وقال ”صمدت سياسات نيسكون الخارجية وكان فعالا للغاية في السياسة الداخلية.”
ومع بلوغ كيسنجر المائة عام في مايو/أيار 2023، كتب ابنه ديفيد في صحيفة واشنطن بوست أن الذكرى المئوية لوالده ”قد تكون ذات طابع حتمي لأي شخص مطلع على قوة شخصيته وحبه للرمزية التاريخية.”
وأضاف ”هو لم يتفوق على معظم أقرانه ومنتقديه وطلابه البارزين فحسب، بل ظل نشطا بلا كلل طوال التسعينيات من عمره.”
وعندما سئل خلال مقابلة أجرتها معه شبكة (سي بي إس) - في الفترة التي سبقت عيد ميلاده المائة - عمن ينظرون إلى سياساته الخارجية باعتبارها نوعا من ”الإجرام”، اعترض كيسنجر بشدة.
وقال ”هذا يعكس جهلهم. لم يتم تصور الأمر بهذه الطريقة، ولم يتم التعامل معها بهذه الطريقة.”
وواصل كيسنجر مشاركته في الشؤون العالمية حتى في أشهره الأخيرة. فالتقى الزعيم الصيني، شي جين بينغ، في بيجين في يوليو/تموز الماضي، حيث كانت العلاقات الثنائية بين البلدين عند أدنى مستوياتها.
وبعد مرور 50 عاما على دبلوماسيته المكوكية التي ساعدت في إنهاء حرب أكتوبر تشرين اول عام 1973 بالشرق الأوسط، عندما تصدت إسرائيل لهجوم مفاجئ من مصر وسوريا، حذر كيسنجر من مخاطر تكرار هذا الصراع بعد أن واجهت إسرائيل هجوما مفاجئا من حركة حماس في 7 أكتوبر/ تشرين اول الماضي.
تدفقت باقات التعازي من مسؤولين أمريكيين بارزين فور تلقيهم نبأ وفاته. 

فقال الرئيس الاسبق جورج دبليو بوش إن الولايات المتحدة ”فقدت أحد الأصوات الأكثر تميزا، والتي كان يمكن الاعتماد عليها في الشؤون الخارجية.”
وقال عمدة مدينة نيويورك السابق، مايكل بلومبرغ، ”كيسنجر كان سخيا إلى ما لا نهاية بالحكمة التي اكتسبها على مدار حياة غير عادية”.
كان كيسنجر من عباقرة السياسة الواقعية، حيث استخدم الدبلوماسية لتحقيق أهداف عملية. 

وقال أنصاره إن ميله العملي خدم المصالح الأمريكية، بينما رأى منتقدون اتباعه لـ ”نهجا مكيافيليا” يتعارض مع المثل الديمقراطية.
تعرض كيسنجر لانتقادات لأنه سمح بالتنصت على مكالمات هاتفية لصحفيين وموظفين بمجلس الأمن القومي الامريكي لوقف تسريب أخبار البيت الأبيض في عهد نيكسون.
كما واجه انتقادات بسبب قصف وغزو الحلفاء لكمبوديا في أبريل/ نيسان عام 1970، والذي كان يهدف لتدمير خطوط الإمداد الفيتنامية الشمالية للقوات الشيوعية في فيتنام الجنوبية.
ألقى البعض باللوم على هذا ”التوغل”، كما أسماه نيكسون وكيسنجر، لأنه ساهم في سقوط كمبوديا في أيدي متمردي الخمير الحمر، والذين ذبحوا نحو مليوني كمبودي في وقت لاحق.
وعمل كيسنجر جاهدا لفضح - ما أشار إليه عام 2007 بأنه ”أسطورة سائدة” - مفادها أنه ونيكسون اتفقا عام 1972 على شروط السلام المرتبطة بحرب فيتنام، وبالتالي أطالت أمد الحرب دون داع على حساب عشرات الآلاف من الأرواح الأمريكية.
شدد كيسنجر على أن الطريقة الوحيدة لتسريع وتيرة انسحاب القوات من فيتنام كانت الموافقة على مطالب هانوي بأن تقوم الولايات المتحدة بالإطاحة بحكومة فيتنام الجنوبية، واستبدالها بقيادة يهيمن عليها الشيوعيون.
كما تعرض كيسنجر لانتقادات من جانب العديد من الأمريكيين بسبب سلوكه الدبلوماسي في زمن الحرب. ففي عام 2015، لم يستطع كيسنجر، البالغ من العمر 91 عاما آنذاك، الوصول الى مقر مجلس الشيوخ بسبب متظاهرين طالبوا باعتقاله بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ونددوا بأفعاله في جنوب شرق آسيا وتشيلي ودول أخرى.
ولد هاينز ألفريد كيسنجر في مدينة فورت البافارية في السابع والعشرين من مايو/ أيار عام 1923، وكان والده معلما بإحدى المدارس.
غادرت عائلته ألمانيا النازية عام 1938 واستقرت في مانهاتن، حيث غير والده اسمه إلى هنري.
لدى كيسنجر ولد وبنت، إليزابيث وديفيد، من زوجته الأولى التي انفصل عنها عام 1964.
أما زواجه الثاني فكان من نانسي ماغينيس عام 1974.

تم نسخ الرابط