الجمعة 05 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

نص حيثيات الحكم بإعدام قاتل نجله في المنصورة

المحكوم عليه بالإعدام
المحكوم عليه بالإعدام

أودعت الدائرة الرابعة محكمة جنايات المنصورة، حيثيات حكمها بإعدام قاتل طفله بمشرط طبي جراحي في منطقة نائيه.

قالت المحكمة في حيثيات حكمها برئاسة القاضي بهاء المري، في قضية النيابة العامة  رقم 7880 لسنة 2021 مركز المنصورة، المقيدة برقم 912 لسنة 2021 كلى جنوب المنصورة، بعد تلاوة أمر الإحالة وسماع طلبات النيابة العامة وأقوال المتهم والمرافعة الشفوية ومطالعة الأوراق والمداولة:

"وقائع القضية"

الواقعة حسبما استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليها وجدانها مستخلصة من سائر أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات، وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة، تتحصل في أن المتهم محمود ح - في واقعة تَفرَّدَ بها الإنسانُ على الوحش والطير والحيوان - أعماه هَوَى الوجَاهة - الزائفة - فهوى في دياجير الجاهلية والظلام، وعصَفت به ريح القسوةِ وانعدام الرضا بقضاء الله، فرأي في تصرفات ابنه - فِلذة كبده - الصبي البريء المَريض أدهم، ما ينال من تلك الوجاهة المُدَّعاة، واعتبر تصرفاته في عصبية، وتغيبه أحيانًا عن المنزل عارٌ له بين جيرانه وذويه، ينال من سُمعته ووضعه الاجتماعي المزعوم، فتجرد من فِطرة الأبُوة، وعَربدت في حناياه الأنانية، وبرَباطة جأش، واطمئنان نفس، وهدوء خاطر، وسكون حواس، وإمعان نظر، فَكَّرَ وقَدَّرَ، وسَعَى وتَدَبَّر، وعقد العزم على قتله، فأطال الرؤية حتى نضجَ فكره وهو في حالة صفاء، متجردًا من شوائب التأثر والانفعال، وفي أيام سابقة على يوم تنفيذ جريمته وضع خطة تنفيذها في عدة خطوات: أولها: أنْ أنشأ حسابًا - وهميًا - على أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي (تليجرام) وراح يُرسل منه لنفسه على هاتفه المحمول رسائل تهديد بقتل أحد أبنائه، ليتذرع بها لاحقًا في إبعاد الشبهة عن نفسه، ثم أزال البرنامج من بعد، وثانيها: أنه في يوم التنفيذ – 113 يناير 2021 - ترك حافظة نقوده ومفاتيحه عامدا قبل أن يُغادر المسكن، ثم اتصل بزوجته لترسلها له مع المجني عليه ففعَلت، ولما التقاه كلفه بأن يَسبقه إلى الطريق الرئيس للقرية ليأخذه في نزهة، وأركبه السيارة قيادته التي يستأجرها حفاظا على وجاهته بعد بيع سيارته، وبعد نصف ساعة اتصل بزوجته مرة أخرى يسألها عنه ويُخبرها بأنه انصرف بعد أخذ حاجاته منه، وفي السيارة أعطاه قُرصًا مُنومًا كان قد أعده لهذا الغرض كالخطة المرسومة في ذهنه؛ ليتمكن من ذبحه بيُسر، ثم تَجول بالسيارة حتى غلب الطفل النُعاس، فتوقف بالسيارة أمام صيدلية بقرية ميت خيرون واشترى مِبضعًا (مشرط جراحي) ليكون أمضَى من غيره من الأسلحة البيضاء في الذبح، وثالثها: أنْ تَخيَّر مكانا يَعزُ فيه المارة؛ فقصد مَدخل قرية ديبو عوام، وانتحى بالسيارة جانبًا في موقع يَنبتُ فيه الغاب (الهيش) ليتخذ منه ستارًا، وبقلب قُدَّ من حديد، وأيدٍ قُدت من نار، حَمل ابنه، يَدٌ من تحت إبطه وأخرى من خلفه، وسجَّاه أرضًا، وأخرج مِشرطه الجراحي المُعد سَلفًا، وجَزَّ به رقبته بجرح ذَبحي بأعلى منطقة العُنق صاحَبه تهتك بالأوعية الدموية العظمية مقابله، أدى إلى نزف دموي شديد وهبوط حاد بالدورة الدموية التنفسية انتهى بالوفاة، ومسح دم ابنه من على يديه بمنديل ورقي وضع فيه المشرط وألقاه في هذا المكان، وأرشد عنه بعد ضبطه وعُثر عليه، وثالثها: وإمعانا في حَبْكِ مُخَططه وبذات رباطة الجأش - حتى بعد ذبح ابنه - اتصل بأحد أصدقائه، مدعيا تغيب المجني عليه ومُستعينًا به ليَبحثا مَعًا عنه، ثم كتب مَنشورا على فيس بوك يُعلن فيه تغيبه - على الرغم من عدم نشره عن ذلك في مرات سابقة - ثم عاد إلى بيته بعد منتصف الليل، ولما لم يعد المجني عليه طلبت منه زوجته النزول للبحث عنه ومشاهدة كاميرات المراقبة الخاصة بالمحلات، فهَمَّ صباحًا مُسرعًا وسبقها بالنزول وعاد ليُخبرها بأنه شاهدها ولم ير فيما سجلته المجني عليه، ولما واجهها رجال الشرطة بالمقاطع المصورة من تلك الكاميرات شاهدت المجني عليه يجري والمتهم يسير من خلفه بالسيارة قيادته، ولما اكتشف الأهالي جثة ابنه، قصد مركز الشرطة مُتظاهرًا بالصدمة، وإذ دلت التحريات واجتمَعت عليه عناصر الاستدلالات، ومواجهته بها اعترف بارتكاب الواقعة على النحو مار السَرد. 

وحيث إن الواقعة على النحو سالف البيان استقام الدليل على صحتها وثبوتها في حق المتهم محمود حسن عبد العظيم علي، وذلك من اعترافه تفصيلا بتحقيقات النيابة العامة، ومن أقوال مروة علي السيد عبد الفتاح، والرائد أحمد عبد الله توفيق، ومن تقرير الصفة التشريحية، وتقرير قسم الأدلة الجنائية، ومعاينة النيابة العامة لمكان العثور على الجثة، والمعاينة التصويرية لكيفية ارتكابه المتهم الجريمة. 

المستشار بهاء المري

اعترافات تفصيلية

فقد رَوَى المتهم تفصيلاً بتحقيقات النيابة العامة، أن ولده أدهم - البالغ من العمر 13 سنة تقريبا - كان مريضًا بكهرباء زيادة في المخ وفرط في الحركة، مما جعله عصبي المزاج يثير المشكلات مع إخوته والجيران، حتى كثرت منه الشكاوى، ولم يفلح في تهدئته، مما كان يسبب له إحراجًا أمام أهله وجيرانه، فعقد العزم على قتله وتفكر لعدة أيام قبل يوم التنفيذ في رسم خطة الجريمة،  فأنشاء حسابا - وهميًا - على أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي (تليجرام) وراح يُرسل لنفسه منه على هاتفه المحمول رسائل تهديد بقتل أحد أبنائه، ليتذرع بها لاحقًا لُيبعدَ الشبهة عن نفسه، ثم أزال البرنامج من بعد، وأنه في يوم التنفيذ - 13/1/2021 - ترك حافظة نقوده ومفاتيحه عامدًا قبل أن يُغادر المسكن، ثم اتصل بزوجته لترسلها له مع المجني عليه ففعلت، ولما التقاه كلفه بأن يَسبقه إلى الطريق الرئيس للقرية ليأخذه في نزهة وأركبه السيارة قيادته التي يستأجرها، وفي السيارة أعطاه قرصًا منومًا كان قد أعده لهذا الغرض؛ ليتمكن من ذبحه بسهولة، ثم تَجول بالسيارة حتى غلب الطفل النعاس، فتوقف بالسيارة أمام صيدلية بقرية ميت خيرون واشترى مِبضعًا (مشرط جراحي) ليكون أمضى من غيره من الأسلحة البيضاء في الذبح، ثم تَخيَّر مكانا يَعزُ فيه المارة؛ فقصد مَدخل قرية ديبو عوام، وانتحى بالسيارة جانبًا في موقع يَنبتُ فيه الغاب (الهيش) ليتخذ منه ستارًا، وحَمله بيَدٌ من تحت إبطه وأخرى من خلفه، وأضجعهُ أرضًا، وأخرج المشرط الجراحي الذي اشتراه لهذا الغرض، ومرَّ به على رقبته مرتين ليقتله، ومسح يديه بمنديل ورقي وضع فيه المشرط وألقاه أرضا في مكان أرشد عنه الشرطة، ثم اتصل بصديق له وأخبره بأن أدهم متغيب وطلب منه مرافقته للبحث عنه، ثم كتب مَنشورا على فيس بوك يُعلن فيه تغيب ابنه، وعاد بعدها إلى بيته، ولما اكتشف الأهالي جثة ابنه قصد مركز الشرطة مُتظاهرًا بالصدمة، ولما واجهته الشرطة بالأدلة مُجتمعة اعترف بارتكاب الواقعة على هذا النحو.

وشهدت مروة علي السيد عبد الفتاح - والدة المجني عليه - في تحقيقات النيابة العامة أن المشكلات التي كان يثيرها الطفل القتيل تزيد قليلا على مشكلات أي طفل، وفي يوم الحادث نزل المتهم من المسكن ثم اتصل بها هاتفيا لترسل له محفظته ومفاتيحه مع المجني عليه، ففعلت، ولكن ابنها لم يعد، وبعد نصف ساعة اتصل بها المتهم مرة أخرى يسألها عنه، ولما عاد بعد منتصف ليلة تنفيذه الجريمة طلبت منه النزول للبحث عنه ومشاهدة كاميرات المراقبة الخاصة بالمحلات، همَّ مُسرعًا في الصباح الباكر وسبقها بالنزول وعاد ليُخبرها بأنه شاهدها ولم ير فيما سجلته المجني عليه، ولما واجهها رجال الشرطة بالمقاطع المصورة من تلك الكاميرات شاهدت المجني عليه يجري والمتهم يسير من خلفه بالسيارة قيادته، وأضافت بأن المتهم بعد تنفيذ جريمته عاد إلى المنزل مضطربا. 

وشهد الرائد أحمد عبد الله توفيق رئيس مباحث مركز شرطة المنصورة في تحقيقات النيابة العامة بأن تحرياته السرية دلته على أن المجني عليه كان يعاني منذ السابعة من عمره من كهرباء زائدة في المخ وفرط في الحركة، مما جعله يتصرف بعصبية وعنف مع أقرانه وتغيبه أحيانا عن المنزل، مما سبب لوالده المتهم ضيقًا، واعتبره لا يتمشى مع وجاهته الاجتماعية وطموحه في تحسين وضعه الاجتماعي فعقد العزم وبيت النية على قتله، وخطط لجريمته فأنشأ حسابًا وهميًا على تطبيق تليجرام بتاريخ يوم الحادث وأرسل منه لنفسه رسائل على تليفونه المحمول تتضمن تهديدًا بقتل أحد أبنائه ثم حذف الويندوز، وفي مساء ذات اليوم نزل من مسكنه متعمدًا ترك حافظته ومفاتيحه، واتصل هاتفيا بزوجته لترسلها له مع المجني عليه، ففعلت، ولما التقاه طلب من منه أن يسبقه إلى الطريق الرئيس للقرية حتى لا يراه أحد بصحبته، مدعيُا له اصطحابه في نزهة، ثم لحق به وأركبه السيارة في المقعد الخلفي، وأعطاه قرصًا منومًا كان قد أعده لهذا الغرض ليُفقد الوعي ويسهل عليه تنفيذ جريمته، وراح يتجول بالسيارة حتى فقد ابنه الوعي، فقصد صيدلية بقرية ميت خيرون واشترى مشرطًا جراحيًا ثم تخير مكانًا بعيدًا يندر فيه مرور السيارات ويَنبت فيه الغاب، وحمل نجله من السيارة وطرحه أرضًا وذبحه بالمشرط الجراحي الذي كان قد اشتراه لهذا الغرض، ومسح يديه من الدماء بمنديل ورقي وضع فيه المشرط وألقاه بجانب الطريق، ثم أرشد عنه وتم ضبطه. وأضاف بأنه في مجال بحثه استعان بكاميرات المراقبة داخل القرية والتي سجلت سير المجني عليه مسرعًا متجها ناحية الكوبري الجديد كما ظهرت فيه السيارة التي يستأجرها المتهم من أحمد محمد إبراهيم، وكذلك مناقشة الأخير صاحب مَعرض السيارات سالف الذكر الذي قدم جهاز تتبع السيارة قيادة المتهم والذي سجل توجه المتهم بالسيارة المستأجرة قيادته مساء يوم الحادث 13/1/ 2021 إلى مكان العثور على جثة المجني عليه ومُكوثه به لمدة إحدى عشرة دقيقة من العاشرة ودقيقتين حتى العاشرة وثلاثة وعشر دقيقة مساء، وكذلك مناقشة زوجته - والدة المجني عليه - التي قررت له بأن تصرفات المتهم في يوم الحادث لم تكن طبيعية إذ نشر لأول مرة على الفيس بوك خبر تغيب نجله رغم حرصه سلفًا في مرات غيابه السابقة على عدم إفشاء ذلك، وأنه كان مضطربا لما عاد بعد منتصف الليل، وأن تلك العناصر التي حدت بالمتهم حين مواجهته بها إلى الاعتراف تفصيليًا بارتكاب الحادث طائعًا مختارًا.  

وثبت من تقرير الصفة التشريحية أن إصابة المجني عليه عبارة عن جرح ذبحي بأعلى منطقة العنق، ومثله يحدث من الإصابة بنصل صلب حاد أيا كان نوعه، وهي جائزة الحدوث من مثل المشرط الطبي المرسل للفحص، وأن وفاته تعزى إلى هذه الإصابة الذبحية بالعنق وما صاحبها من تهتك بالأوعية الدموية العظمية مقابلها أدى إلى نزيف دموي شديد وهبوط حاد بالدورة الدموية انتهى بالوفاة، ولا يوجد ما يتنافى أو يتعارض مع إمكانية جواز حدوث إصابة المجني عليه من مثل المشرط الجراحي. 

وثبت من تقرير قسم الأدلة الجنائية أن مكان العثور على الجثة عبارة عن أرض فضاء بجوار طريق المنصورة طناح أمام قريبة ديبو عوام، يحدها شرقا غاب ومخلفات نباتية ومن باقي الجهات أرضا زراعية، وأن عينات الدماء المرفوعة منه. 

وثبت من معاينة النيابة العامة لمكان العثور على جثة المجني عليه أنه مدخل صغير إلى أرض زراعية يمين طريق رئيسي وبدخوله تبين أنه مخفي عن أعين المارة لوجود سواتر من أشجار متوسطة الطول وتبين على الأرض آثار دماء. 

وثبت من المعاينة التصويرية التي أجرتها النيابة العامة أن المتهم قام بمحاكاة جريمته بمكان الحادث تمثيلا بإرادة حرة لم تشبها شائبة بما لا يخرج عن تفصيلات اعترافه بالتحقيقات. 

وحيث إن المتهم إذ سُئل في تحقيقات النيابة العامة اعترف بما أُسندَ إليه على النحو السلف تفصيله في تحصيل المحكمة لاعترافه. وبجلسة المحاكمة اعتصم بالإنكار، والدفاع الحاضر معه التمس القضاء ببراءته مما أسند إليه تأسيسا أنه غير مسئول عن فعله لمعاناته مرضا نفسيا وبطلان اعترافه لوقوعه تحت إكراه معنوي من رجال الشرطة ولا يطابق الحقية لكون المقتول ابنه. 

الطفل الضحية

انعدم المسئولية

وحيث إنه عما أثاره الدفاع من عدم مسئولية المتهم عن فعله وقت ارتكابه، فلما كانت المادة 6۲ من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة ۱۹۳۷ قد نصت على أنه: "لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل إما لجنون أو عاهة في العقل وإما لغيبوبة ناشئة من عقاقير مخدرة أيا كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه بها" وكان القانون رقم 71 لسنة ۲۰۰۹ بإصدار قانون رعاية المريض النفسي وتعديل بعض أحكام قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية الصادر بتاريخ 14/5/۲۰۰۹ قد نص في مادته الثانية على أن: "يُستبدل بنص المادة 62 من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة ۱۹۳۷ النص الآتي: "لا يُسأل جنائياً الشخص الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أو فقده الإدراك أو الاختيار الذي يعاني من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أيا كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه بها ويظل مسئولاً جنائياً الشخص الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره ، وتأخذ المحكمة في اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة". لما كان ذلك، وكان من المُقرَّر أنَّ تقدير حالة المتهم العقلية والنفسية، وإنْ كان في الأصل من المسائل الموضوعية التي تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، إلا أنه يتعين عليها ليكون قضاءَها سليمًا أن تُعيِّنَ خبيرًا للبتِّ في هذه الحالة وجودًا أو عدمًا، فإنْ لم تَفعل؛ كان عليها أن تُورد في القليل أسبابًا سائغة؛ تَبني عليها قضاءَها برفض هذا الطلب، وذلكَ إذا رأت من ظروف الحال، ووقائع الدعوى، وحالة المتهم، أن قواه العقلية والنفسية سليمة، وأنه مسئولٌ عن الجُّرم الذي وقع منه (نقض جنائي، الطعن رقم 9508 لسنة 87 ق جلسة 3 / 4 / 2018) فإن المحكمة تُوردُ في حُدود سلطتها التقديرية، أسباب قناعتها بتمتع المتهم بملكة الوعي والتمييز والقدرة على حُسن الإدراك وسلامة قواه العقلية والنفسية وقت ارتكاب الجريمة، وذلك من مَسلكه وأفعاله وأقواله، سواء ما كان منها سابقًا على وقوع الجريمة، أو أثناء ارتكابه لها، أو من بعد مقارفتها، وهي قرائن تؤكد - في عقيدة المحكمة - أنه كان حافظًا لشعوره واختياره وقت ارتكاب الحادث، ولا يُخالج معها المحكمة أدنى شك، في خصوص سلامة قُواه العقلية والنفسية، وآيةُ ذلك: أن الثابت من الأوراق أنه منذ فجر التحقيقات وحتى انتهائها، كان المتهم يُجيب على أسئلة السيد وكيل النيابة المُحقق بدقةٍ بالغة، وبكلام مُتناسق مُترابط واع دقيق، وجاء اعترافه التفصيلي مُطابقًا تمامًا لِما قام به من جُرم، مما يقطع بأنه اقترف الجريمة وهو حافظٌ لشعوره واختياره، وفي حالة عقلية ونفسية سليمة، يُنبئ عن ذلك بجلاء، ما كان منه من تدبير وإحكام في ارتكابها، حيث فكر مَليًا وأطال الرؤية بعيدًا عن سَورة الانفعال أو الغضب في قتل ولده وذلك لفترة سابقة على يوم التنفيذ، تفكيرٌ لا يأتيه إلا ذو عقل سليم وحالة نفسية مستقرة سليمة واعية، ذلك أنه أنشأ قبل ارتكابها حسابًا وهميًا على أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي (تليجرام) وراح يُرسل لنفسه منه على هاتفه المحمول رسائل تهديد بقتل أحد أبنائه، ليتذرع بها لاحقًا لُيبعدَ الشبهة عن نفسه، ثم أزال البرنامج من بعد حتى لا تصل إليه يد العدالة، وفي يوم التنفيذ ترك حافظة نقوده ومفاتيحه عامدًا قبل أن يُغادر مسكنه، لتكون ذريعة ليأتيه بها المجني عليه - حتى لا يبدو أمام زوجته بأنه اصطحبه معه ولم يَعُد به - ثم اتصل بها لتُرسلهُ بها إليه؛ ففعلت، ولما التقاه كلفه بأن يَسبقه إلى الطريق الرئيس للقرية ليأخذه في نُزهة - حتى لا يشاهده المارة أو تلتقط كاميرات المراقبة صورته وهو في معيته قبل قتله - وأركبه السيارة التي يقودها، وبعد نصف ساعة اتصل بزوجته مرة أخرى يسألها عنه ويخبرها بأنه انصرف بعد أخذ حاجاته منه، وفي السيارة أعطاه قُرصًا مُنومًا كان قد أعده لهذا الغرض كالخطة المرسومة في ذهنه؛ ليتمكن بسهولة من ذبحه، ثم تَجول بالسيارة حتى غلب الطفل النعاس، ثم يوالي تنفيذ تخطيطه المُحكم الذي يتدرج من مرحلة إلى أخرى - وهو تخطيط وتنفيذ الشخص الواعي سليم العقل والنفس - فقصد صيدلية اشترى مِبضعًا (مشرط جراحي) ليكون أمْضَى من غيره من الأسلحة البيضاء في الذبح، ثم تَخيَّره مكانا يَعزُ فيه المارة والسيارات؛ ويَنبتُ فيه الغاب (الهيش) ليتخذ منه ستارًا، ثم أضجَعَ المجني عليه أرضًا وذبحه بالمِشرط الطبي مارًا على رقبته به مرتين حتى أزهق روحه، ثم كان تصرفه تصرف العقلاء المُبرئين من أي مرض عقلي أو نفسي، فمَسح دم ابنه من على يديه بمنديل ورقي وضع فيه المشرط وألقاه في هذا المكان، يُضاف إلى ذلك مما تستخلصه المحكمة وتطمئن إليه - كدليل على  سلامة عقله ووعيه ونفسه - إمعانه بذات الفكر الهادئ، والهدوء النفسي في حبك مُخططه حتى النهاية، فيُجري اتصالاً بصديق له مُدعيًا تَغيب المجني عليه ومُستعينًا به ليَبحثا عنه مَعًا، ثم يكتب مَنشورًا على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) يُعلن فيه تَغيُب ابنه - وهو ما لم يفعله من قبل في مرات عديدة تَغيب فيها عن المنزل - ثم يعود إلى بيته بعد منتصف الليل، ولما طلبت منه زوجته النزول للبحث عن ابنها ومشاهدة كاميرات المراقبة الخاصة بالمحلات همَّ مُسرعًا في الصباح وسبقها بالنزول وعاد ليخبرها بأنه شاهد الكاميرات ولم ير فيما سجلته المجني عليه، وحتى بعد عثور الأهالي على جثة القتيل، راح يُنكر - وهو رابط الجأش - في الشرطة والنيابة العامة قبل مواجهته بعناصر الاستدلالات مُجتمعة، وإذ أٌسقطَ في يده اعترف اعترافًا تفصيليًا بدقائق وتفاصيل الأمور سالفة البيان جميعها. هذه التفاصيل التي استخلصَت منها المحكمةُ مُطمئنةً - على النحو مار السرد - تمتعه بمَلكة الوعي والتمييز والقدرة على حُسن الإدراك وسلامة التدبير العقلي والنفسي وقت ارتكاب الجريمة، كما استخلصت أنَّ دقته في رواية الواقعة بهذا التسلسل وهذا التَّذكُّر لصغائر التفاصيل قبل كبيرها؛ ليس شأنُ الشخص المُختل العقل أو المضطرب النفس، بل هو شأن العاقل الماكر المُدبِّر سليم العقل والنفس، يضاف إلى ذلك، أنَّ المحكمةَ لم تلحظ عليه خلال المُحاكمة ما يَنُمُ عن إصابته بمرض عقلي ولا اضطراب نفسي، فإن هذا المسلك - على النحو سابق التفصيل والبيان - يدل بجلاء على أن المتهم قبل ارتكابه للواقعة، وفي أثناء ارتكابها، وبعد مقارفته لها، كان في وعي تام مدركاً تمام الإدراك لأفعاله، ومن ثم تطرح ما أثاره الدفاع عنه في شأن قواه العقلية أو النفسية. 

  تقدير الاعتراف

 ومن حيث إنه لما كان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات وفي الأخذ بالاعتراف في حق المتهم في أي دور من أدوار التحقيق ولو عدل عنه بعد ذلك، ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه أو لا يطابق الحقيقة والواقع، وكان ما أثاره الدفاع بشأن بطلان اعتراف المتهم في تحقيقات النيابة العامة لوقوع إكراه معنوي عليه من رجال الشرطة قبل مثوله أمام النيابة العامة مردوداً عليه بأن المتهم ما أن مثل أمام النيابة العامة للتحقيق حتى قامت بمناظرة أجزاء جسمه ولم تجد به آثار إصابات، وقد أدلى في هذه التحقيقات باعترافات تفصيلية بارتكابه للجريمة وخطوات إعداده لها ثم تنفيذها وهو في كامل حريته واختياره، ولم يدع أمامها بإكراهه على الاعتراف ماديا ولا معنويا، كما وأن القول بأن هذا الاعتراف لا يطابق الحقيقة والواقع لكون المقتول هو ابنه، هو في مجمله مردود بأن اعتراف المتهم بارتكاب الحادث جاء تفصيليا على نحو يتفق وما شهد به شهود الإثبات وأوردته الأدلة الفنية، وتمثيله لارتكاب الجريمة بمحض إرادته من خلال المعاينة التصويرية، التي أجرتها النيابة العامة لكيفية ارتكاب المتهم للجريمة وفق الاعتراف الصادر منه أمامها وهي قرينة على أنه قد صدر بمحض إرادته، والتي غايتها توثيق تلك الاعتراف لتكون حجة علية إن عدل عنه أو جحده أو أنكر صدوره منه، بما يؤكد ويجزم بمطابقة اعترافه للحقيقة والواقع مما يدحض ما أثاره الدفاع في هذا الخصوص، لما كان ما تقدم، فإن المحكمة ترى أن الاعتراف سليم مما يشوبه وتطمئن إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع، وأن دفاع المتهم بشأن بطلان اعترافه إنما هو قول مرسل عار من دليل وليس في الأوراق ما يظاهره أو يسانده على ما سلف بيانه ومن ثم تطرح هذا الدفاع وتعول على اعترافه كدليل عليه.

المحكوم عليه بالإعدام ونجله الضحية

نية القتل

 وحيث إنه عن نية القتل وهي أمرٌ خَفيٌّ لا يُدرَك بالحسِّ الظاهر؛ إنما يُدرَكُ بالمظاهر المُحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنُمُّ عما يُضمره في نفسه وقِوامها مُقارفة الجاني للفعل بنية إزهاق روح المجني عليه، وذلك أمر خفي يُضمره الجاني في نفسه، وتدل عليه الأمارات والمُلابسات التي تُواكب وتُحيط بالفعل، وهذا القصد الخاص متوافر في الواقعة مُتحقق فيها ثابت في حق المتهم، وذلك من اعترافه تفصيلا بتحقيقات النيابة العامة من أنه على أثر فشل محاولاته في علاج ابنه المجني عليه من عُنفه وفرط حركته، فقد عقد العزم على وبيت النية على قتله وأعد لذلك مِشرطًا طبيًا اشتراه من صيدلية، وأعطى القتيل قُرصًا منومًا ليُفقده وعيه ليتيسرَ له إزهاق روحه بسهولة ويُسر، ولما بلغ مكانًا قصيًا يندر فيه المارة والسيارات، حمله من السيارة وأضجعه أرضًا وذبحه بالمشرط من رقبته وهي مَقتل، كل ذلك يدل بيقين لدى المحكمة على توافر قصد القتل لدى المتهم كما هو مُعرفٌ به قانونا، دلت عليه الظروف المُحيطة بالواقعة والمظاهر والأمارات الخارجية سالفة الذكر، التي أتاها المتهم وقد نَمَّت بجلاءٍ عما أضمره في نفسه من انتوائه إزهاق روح ابنه المجني عليه.   

        وحيث إنه عن ظرف سبق الإصرار، فلما كان هذا الظرف هو التفكير الهادئ في الجريمة قبل التصميم عليها وتنفيذها، وهو يَعنى أن فكرة الجريمة قد خَطرت للجاني قبل تنفيذها بوقت كاف أتيح له فيه أن يفكر بهدوءٍ وسَيطرة على نفسه، وأن ينتهي إلى التصميم على ارتكابها بعد تقليب الأمر على وجوهه المختلفة، لما كان ذلك، فإن المحكمة تستخلص من اعتراف المتهم تفصيليًا بتحقيقات النيابة العامة والذي اطمأنت إليه على النحو مار البيان، ومن تحريات الشرطة وشهادة من أجراها، أن المتهم فكر بهدوء في جريمته قبل تنفيذها، وذلك في الأيام السابقة على التنفيذ، وآية ذلك هو وضعه لخُطتها في هدوء ووقت كاف قبلها بأن أنشأ حسابًا وهميًا على تطبيق تليجرام أرسلَ منه إلى هاتفه النقال رسائل تهديد بقتل أحد أبنائه، وهو ما يعد تدبيرًا وليد تفكير هادئ مُصمم عليه، على ارتكاب الجريمة، ثم استدراجه للمجني عليه خارج المنزل بحجة أنه نسي بعض متعلقاته طالبا من زوجته أن ترسلها معه ليظفر به، وتكليفه بأن يسبقه في الطريق الاعم حتى لا يُرى معه ولا ترقبه أعين المارة أو الجيران، ثم إعداده قبل التنفيذ قُرصًا منومًا أعطاه للمجني عليه بعد أن أقله في سيارته ليغُطَ في النوم ليتمكن من قتله بسهولة، وشرائه مِشرطًا جراحيًا ليكون أداته في القتل، واختياره مكانًا قَصيًا ليُنفذ فيه جريمته مَساءً، وإيهام والدته بأن المجني عليه ليس في مَعيته قبل أن ينزح به إلى مكان التنفيذ، فإن مؤدى الإعداد للجريمة على هذا النحو خلال الوقت الذي سبق ساعة التنفيذ، يدل بجلاء - في عقيدة المحكمة - على أن المتهم كان هادئا في تفكيره، يُخطط لجريمته بعزم مُصمم عليه في تروٍ، ولم يَفُتهُ التمويه والإيهام لإبعاد الشك عنه، ولا عبرة للزمن الذي استغرقه ولو كان قصيرًا متى اقتنع القاضي بهدوء التفكير على الرغم من قِصَر الزمن الذي فصل بين فكرة الجريمة والتصميم عليها ثم تنفيذها، وهو ما اقتنعت المحكمة بتوافره من تلك الظروف والملابسات التي أحاطت بالجريمة، يُضافُ إلى ذلك، أن من علامات هذا الهدوء والذي ينم عن أن فكرة الجريمة من بدايتها حتى نهايتها، قد خَطرت للمتهم قبل تنفيذها بوقت كاف، واقعة اتصاله بصديق له وهو هادئ النفس والخاطر بعد تمام التنفيذ، ليُخبرهُ بغياب ابنه القتيل ويدعوه للبحث معه عنه، فلا ترى المحكمة ذلك الاتصال وليد لحظته، لا سيما من أب ذبح ابنه، بل يكون نتيجة تفكير سابق على التنفيذ، ومن جماع ما تقدم تطمئن المحكمة تمام الاطمئنان إلى توافر ظرف سبق الإصرار في حق المتهم. 

ومن حيث إن المحكمة وقد اطمأنت إلى أدلة الثبوت في الدعوى فإنها تعرض عن إنكار المتهم بجلسة المحاكمة، وتلتفت عما أثاره الدفاع من أوجه لا تلقي سنداً من الأوراق ولا تعول عليها اطمئناناً منها إلى صدق رواية الشهود المؤيدة باعترافات المتهم التفصيلية في تحقيقات النيابة والمدعمة بالمعاينة التصويرية وبتقرير الصفة التشريحية الذي جاء مصدقاً لها في بيان واضح وهو ما يتلاءم به جماع الدليل القولي مع جوهر الدليل الفني، ومؤداه حدوث إصابات المجني عليها والتي أودت بحياتها وفق ما ذهب إليه المتهم في اعترافاته من قتله المجني عليه بذبحه بمشرط جراحي، وهو ما تطمئن إليه المحكمة وتأخذ به وتطرح ما عداه من تصوير.

 لما كان ما تقدم، فإنه يكون قد وقر في عقيدة المحكمة على وجه الجزم واليقين، أن المتهم: 

محمود. ح 

في يوم    31/1/2021       بدائرة مركز المنصورة       محافظة الدقهلية

أولا - قتل ابنه - الطفل - أدهم، الذي لم يبلغ الثامنة عشرة سنة ميلادية عمدا مع سبق الإصرار، بأن عقد الزم وبيت النية على إزهاق روحه، وأحد لذلك سلاحًا أبيضَ (مشرط طبي جراحي) واستأجر سيارة لينأى به بعيدا عن مسكنه وجيرانه، وقرصًا منومًا أعطاه له، وما أن غلب الطفل النُعاسَ حتى أضجعهُ أرضًا وذبحهُ بالمشرط قاصدًا إزهاق روحه، فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية؛ والتي أودت بحياته على النحو المبين بالأوراق.      

ثانيا - أحرز بغير ترخيص سلاحا أبيض (مشرط جراجي) ومما يستخدم في الاعتداء على الأشخاص بدون مسوغ قانوني على النحو المبين بالتحقيقات.   

الأمر الذي يتعين معه عملا بالمادة 304/2 إجراءات جنائية عقابه بالمواد 230، 231، عقوبات، والمواد 1/1، 25 مكرر/ 1، 30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل، والبند رقم 7 من الجدول رقم (1) الملحق بالقانون الأول، والمادة 116 مكررا من القانون رقم 12 لسنة 1996 المعدل بشأن الطفل، مع إلزامه المصاريف الجنائية عملا بالمادة 313 إجراءات جنائية. 

وحيث استطلعَتْ المحكمة رأي فضيلة مُفتي الجمهورية في شأن المحكوم عليه، نَفاذًا لحكم المادة 381 /2 من قانون الإجراءات الجنائية، فأودعَ فضيلتهُ مَلف الدعوى تقريرًا مؤدَّاه استحقاق المتهم الإعدام قِصاصًا لقتله ابنه المجني عليه أدهم عمدًا جَزاءً وِفاقًا؛ إذ القتل أنفَي للقتل.

وحيث إن المحكمة وهي بصدد تقدير العقاب الذي يتناسب مع جُرم المتهم، لم تجد له من سبيلٍ للرأفة، ولا مُتَّسعًا للرَّحمة، وإنما رأت بإجماع آراء أعضائها وجوب القِصاص منه حقًّا وعدلاً، ومُعاقبته بالإعدام امتثالاً لقوله تعالى جَلَّ في عُلاه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى". وقوله: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" صدق الله العظيم. (الآيتان 178، 179 من سورة البقرة). 

وحيث إن التهمتين المسندتين للمتهم قد وقعتا لغرض جنائي واحد وارتبطتا ببعضهما ارتباطا لا يقبل التجزئة ومن ثم يتعين عملا بالمادة 32 عقوبات اعتبارهما جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما.

تم نسخ الرابط