آفة الآفات والمرض العضال هو الفصل بين العبادة والسلوك ، فقد وقع فيه بعض المسلمين فتصور أن الدين عبادات شعائرية إن قام بها فقد تنسك وتعبد وضم نفسه إلي الزمرة المؤمنة وأن السلوك شيء آخر مفصول عن العبادة ، وهو لا يدري أن العبادات غاياتها السامية هي السمو بالأخلاق وأن علامة قبولها هي ظهور أثرها في سلوك المسلم ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس…)) والخمس هي القواعد وليست البناء، لأن البناء الذي يقوم على هذه القواعد هو بناء أخلاقي تعاملي، نصت عليه نصوص الشريعة بأوضح العبارات وأجلاها.
ولقد نصت الشريعة على أن العبادات الشعائرية لا تحقق القبول التام والغاية المقصودة منها إلا إذا صحت العبادات التعاملية، والورع ليس بالمظاهر، وإنما في الحلال والحرام، وحفظ حقوق الناس، وفي التعامل الأخلاقي.
قال رجل لعمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-: إنّ فلانًا رجل صدق، قال: سافرت معه؟ قال لا، قال: فكانت بينك وبينه خصومة؟ قال لا، قال: فهل ائتمنته على شيء؟ قال لا، قال: فأنت الذي لا علم لك به، أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد!.
أي يؤدي الصلاة مع الناس دون أن يكون لها أثر تهذيبي لسلوكه وأخلاقه.
فيرى سيدنا عمر أن استقامة الإنسان تظهر في التعامل بالدرهم والدينار، وفي السفر، وفي الجوار، ولا يكفي أن نراه في المسجد يصلي، فالأمر ليس كذلك إذ نحن بحاجة إلى عبادات تعاملية أخلاقية، إلى جانب العبادات الشعائرية، حتى نكون بحق خير أمة أخرجت للناس.
والمفلس المشهور في السنة أوضح مثال على العلاقة بين العبادات الشعائرية والعبادات التعاملية، فهو الذي ضيع العبادات التعاملية مع أنه أدي العبادات الشعائرية .
ولقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه الجاد في العبادات الشعائرية، ((إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ)) ولكنه مقصر في العبادات التعاملية ((وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا))، ونتيجته كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: ((فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)).
وقد حث النبي ﷺ على حسن الخلق، والتمسك به، وجمع بين التقوى وحسن الخلق، فقال عليه الصلاة والسلام:
{أكثر ما يدخل الناس الجنة، تقوى اللّه وحسن الخلق} .
الأثر العظيم والثواب الجزيل لهذه المنقبة المحمودة والخصلة الطيبة.
قال: {إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم } .
وعدَّ النبي ﷺ حسن الخلق من كمال الإيمان، فقال عليه الصلاة والسلام:{ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً }.
ويقول رسول اللّه ﷺ: { أحب الناس إلى اللّه أنفعهم، وأحب الأعمال إلى اللّه عز وجل، سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولئن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً }.
قال عليه الصلاة والسلام: { اتق اللّه حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخُلق حسن }.
نسأل الله تعالى أن يجملنا بحسن الخلق