الإثنين 08 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

من سنن الله عز وجل في خلقه أن باين بين الناس في مواهبهم ومشاربهم حتى تستقيم وتسير حركة الحياة ، فهذا مهندس وآخر طبيب وهؤلاء أطياف عظيمة من أصحاب المهن والحرف علي إختلافها، علا شأنها أو صغر يكمل بعضها البعض فينهض إعمار الكون متناغماً ،وما كان لمخلوق  كائناً ماكان أن يحتكر كل المواهب مهما أوتي من عبقرية وإقدام فيفرض رأيه على أمة ، غير آبه لمن معه من أولي الفهم وذوي البصيرة و أصحاب الخبرة والحزم ، فما هلكت أمة  ولا ضاعت قبيلة بين القبائل وهان شأنها إلا وقد استبد شيخها برأيه.واستغني بالحول والطول ، وأسلم نفسه لحملة المباخر في بلاطه أن يلقبونه بالمُلْهَم والزعيم الأوحد وهدية السماء لرعاياه فعطل الشوري وأنكر الحجة بالحجة وكفر بالمناقشة الحرة والإقناع ،ولطالما سقطت عروش وممالك عظمي كان زعماؤها علي جانب عظيم من العبقرية والإخلاص لاوطانهم والحمية لإعلاء شأنهاولكن هذة المزايا ذهبت سدي ضحية الاستبداد بالرأي، وقد كان صاحب الرسالة العظمي و سيد الزعماء سيدنا محمد صل الله عليه وسلم -  يستشير أصحابه وينزل علي رأي احدهم متي رأي فيه الصواب، وحسبي أعني هنا أمور الدنيا من سياسة واقتصاد وحرب وسلم، أما أمر السماء يخرج عن حدود الشوري والاجتهاد، ففي غزوة بدر الكبري يتجسد مبدأ الشوري في ابهي صوره، حينما  

نزل رسول الله صل الله عليه وسلم إلى موقع ماء بدر وبالقرب من مكان المعركة نزل الجيش عند أدنى بئر من آبار بدر، وهنا قام الحباب بن المنذر رضي الله عنه وأشار على الرسول قائلاً " يَا رَسُولَ اللّهِ ! أَرَأَيْت هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلاً أَنْزَلَكَهُ اللّهُ، لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ ولا نَتَأَخّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ ؟ قَالَ : ” بَلْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ” .. فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ، فَانْهَضْ بِالنّاسِ حَتّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ ، فَنَنْزِلَهُ ثُمّ نُغَوّرَ [ أي ندفن ] مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ، ثُمّ نَبْنِيَ عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً، ثُمّ نُقَاتِلَ الْقَوْمَ، فَنَشْرَبَ وَلَا يَشْرَبُونَ.. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ – صَلّ اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ – مشجعًا – :” لَقَدْ أَشَرْت بِالرّأْيِ”.

لما وقر في وجدان الحباب رضي الله عنه أن الأمر قد خرج عن حدود الوحي بل الراي والراي أولاً ، تجاسر ولم يلغ عقله وخبرته الفنية حينما رأى من إختيار الرسول شيئا لا يلائم جغرافية المكان مع ما قد يرجح كفة المسلمين في المعركة ويحرم العدو من الماء فلم يمنعه قدر الرسول وهو رسول الله من مراجعته في هذا الرأي ومخالفته، لإيمانه المطلق بعظمة الرسول صل الله عليه وسلم وهو القائد الأعظم بألا يستنكف أن ينزل علي رأي أحد جنوده، مرحباً " لقد أشرت بالرأي " ما كان لهذة الصفوة من أخيار الأمة وأبرها قلوبآ انيدكوا حصون الشرك ويفتحوا البلاد  والأمصار فينساخ فيها الإسلام ،وتقع أسفل حوافر جيادهم ذليلة منكسرة أعتي قوي الأ رض الغاشمة، إمبراطورية الروم والفرس ، إلا  تحت ألوية العدل ونبذ الآثرة وحب الجهاد وإعلاء شأن الشوري، فما يخدع الطغاة شيء أكثر مما تخدعهم غفلة الجماهير وخنوعها وإنقيادها فما الطاغية إلا فرد لا يملك قوة ولا سلطان غير أنها  الشعوب الغافلة الذلول تمطتي له ظهرها فيركب وتمد له أعناقها فيجر وتحني له رؤسها فيستعلي وتتنازل عن حقها في العزة والكرامة فيطغي،قبل أن تحاكموا الطغاة!! 

حاكموا أولاًهاتيك الشعوب الخانعة وأصحاب الأقلام المأجورة والأبواق الزائفة التي إستسخنت فرعون وهامان،  متى سكنت نشوة السلطة القلوب  وإستولت عظمتها على العقول سيظل الصراع قائماً بين الحرية والطغيان، يتعاقبان تعاقب الليل والنهار، فإما شمس الحرية أو خفافيش الظلام

تم نسخ الرابط