من الخصائص التي اختص بها نبينا صلى الله عليه وسلم أنه نبي الرحمة أرسله ربنا جل وعلا رحمة الله للعالمين قال سبحانه: {وَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَـالَمِينَ}(الأنبياء: 107) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه ما أرسل هذا النَّبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه إلى الخلائق إلا رحمة لهم؛ لأنه جاءهم بما يسعدهم وينالون به كل خير من خير الدنيا والآخرة إن اتبعوه، ومن خالف ولم يتبع فهو الذي ضيع على نفسه نصيبه من تلك الرحمة العظمى.(أضواء البيان 4/250).
وقال جل وعلا: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}(التوبة:128)
وقوله: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} يفيد الحصر بمعنى أنه لا رأفة ولا رحمة له إلا بالمؤمنين. فأما الكافرون فليس له عليهم رأفة ورحمة ، وهذا كالمتمم لقدر ما ورد في هذه السورة من التغليظ كأنه يقول: إني وإن بالغت في هذه السورة في التغليظ إلا أن ذلك التغليط على الكافرين والمنافقين، وأما رحمتي ورأفتي فمخصوصة بالمؤمنين فقط، فلهذه الدقيقة عدل على ذلك النسق.(تفسير الفخر الرازي، ١٦ / ١٧٩).
ولما قيل له صلوات الله وسلامه عليه ادع على المشركين قال: إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة(رواه مسلم)، وكان صلى الله عليه وسلم يقول:"إنما أنا رحمة مهداة"(أخرجه الحاكم).
ومن جوانب هذه الرحمة رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته، وذلك أن رب العزة جل وعلا أعطى لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي بدعوته، وادخر نبينا صلى الله عليه سلم دعوته شفاعة لأمته يوم القيامة، وذلك فيما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي بدعوته إلا أنا، فقد اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً".
ومنها: رحمته صلى الله عليه وسلم بالأطفال، ومن ذلك أن الأقرع بن حابس رضي الله عنه دخل عليه ذات يوم فوجده يُقبل الحسن بن علي فقال: "إن لي عشرة من الأولاد ما قبلت واحداً منهم فقال: وما لي أن نزع الله من قلبك الرحمة. من لا يرحم لا يٌرحم"(رواه البخاري ومسلم)، وكان عمر بن أبي سلمة غلاماً في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فكانت يده تطيش في الصحفة إذا ما أكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يمد يده هنا وهنالك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك"(رواه البخاري ومسلم).
ومنها: رحمته صلى الله عليه وسلم في الدعوة، فلقد خاطبه ربه جل وعلا بقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}(النساء:) ، ولذلك نجد رحمته صلى الله عليه وسلم في دعوته تمثلت في مواقف كثيرة منها موقف الأعرابي الذي بال في المسجد أمام النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة فهم الصحابة أن ينهوه عن هذا الفعل فقال لهم صلى الله عليه وسلم:: "دعوه لا تُزرِمُوه دعوه" اتركوه يكمل بوله في المسجد، ويقول الأعرابي: فأنهى بوله فقال له: "إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا، وإنما جعلت للصلاة ولذكر الله ولقراءة القرآن" فانفعل الأعرابي بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فدخل الصلاة وظل يقول: اللهم ارحمني وارحم محمداً ولا ترحم أحداً معنا، فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لقد تحجرت واسعاً قال الله "ورحمتي وسعت كل شيء" فلماذا ضيقت ما وسع الله" (أخرجه مسلم).
ومنها: رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان، ولنتأمل كيف تجلت هذه الرحمة بالحيوان فيما أخرجه مسلم في صحيحه عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح أحدكم ذبيحته"
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر- رضي الله عنهما- "أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها فلم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض"، وجاء في الصحيح: "أن بغياً من بغايا بني إسرائيل مرت على كلب يلهث الثرى من العطش فنزلت إلى بئر فيه ماء فملأت خفها وقدمته للكلب فشرب فغفر الله لها بذلك".
فالأولى دخلت النار بسبب سوء تعاملها مع الحيوان، وعدم الرحمة والشفقة به، والثانية مع ارتكابها لهذه الكبيرة من الكبائر إلا أن رحمتها بالحيوان كانت سبباً في مغفرة ذنوبها.
فما أحوج الأمة الإسلامية اليوم إلى أن تتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في أخلاقه، ومنها خٌلق الرحمة على مستوى الفرد والمجتمع فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:" الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، "ومن لا يرحم لا يُرحم"، وفي بعض الآثار:" إذا أردتم رحمتي فارحموا عبادي". والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.