الأربعاء 03 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

لا شك أن التشكيل العصابى الذى تم القبض عليه مؤخرا فى قضية الفساد الكبرى داخل وزارة التموين، يلفتنا إلى قضية التربية السليمة التى تمنع خيانة الوطن، لأن هؤلاء المقبوض عليهم من داخل وزارة التموين وغيرهم مازالوا طلقاء فى هذه الوزارة وفى وزارات أخرى ومؤسسات عميقة وعريقة ليسوا إلا خونة لهذا الوطن، ولم يتربوا منذ نعومة أظفارهم على حب الوطن والدفاع عنه والوقوف بجانبه والتضحية من أجله، وليس التضحية به لأجل مصالح شخصية.
وفى كل مكان سنجد رأس أفعى تنفث سمومها خيانة لهذا الوطن، وإذا كانت أزمة السلع الغذائية وفى مقدمتها السكر والأرز استنهضت الجهات الرقابية لمنع التلاعب بقوت الشعب والتربح من صناعة الأزمات، فينبغى على تلك الجهات أن تكثف جهودها للوصول إلى رأس الأفعى هذه إذا كانت جادة فى القضاء على الفساد، لأن بتر الأطراف لا يعنى القضاء على الرأس المدبرة التى تقود منظومة الفساد. 
لابد إذن من تربية الأبناء على استشعار ما للوطن من أفضالٍ سابقة ولاحقة عليه – بعد فضل الله سبحانه وتعالى – ومن ثم ينبغى عليه رد الجميل، ومجازاة الإحسان بالإحسان، لاسيما أن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحث على ذلك وترشد إليه كما في قوله تعالى: "هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ" (الرحمن:60). 
وينبغي الحرص على مد جسور المحبة والمودة مع أبناء الوطن في أي مكانٍ منه؛ لإيجاد جو من التآلف والتآخي والتآزر بين أعضائه الذين يمثلون في مجموعهم جسداً واحدا متماسكا في مواجهة الظروف المختلفة، وغرس حب الانتماء الإيجابي للوطن، وتوضيح معنى ذلك الحب، وبيان كيفيته المثلى من خلال مختلف المؤسسات التربوية في المجتمع كالبيت، والمدرسة، والمسجد، والكنيسة، والنادي، ومكان العمل، وعبر وسائل الإعلام المقروءة أو المسموعة أو المرئية. وكذلك العمل على أن تكون حياة الإنسان بخاصة والمجتمع بعامة كريمة على أرض الوطن، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عندما يدرك كل فرد فيه ما عليه من الواجبات فيقوم بها خير قيام، فالحب الصادق للأوطان واجبات ومسؤوليات يجب علينا أن نترجمها على أرض الواقع، وهذا مكلف به الجميع، كل حسب استطاعته ووسعه وما في مقدوره.
ولابد من تنشئة الأبناء على تقدير خيرات الوطن ومعطياته والمحافظة على مرافقه ومكتسباته التي من حق الجميع أن ينعم بها وأن يتمتع بحظه منها كاملا غير منقوص، والإسهام الفعال والإيجابي في كل ما من شأنه خدمة الوطن ورفعته سواء كان ذلك الإسهام قوليا أو عملياً أو فكرياً، وفي أي مجال أو ميدان، لأن ذلك واجب الجميع، وهو أمر يعود عليهم بالنفع والفائدة على مستوى الفرد والمجتمع، وينبغى عليهم التصدي لكل أمر يترتب عليه الإخلال بأمن وسلامة الوطن، والعمل على رد ذلك بمختلف الوسائل والإمكانات الممكنة والمتاحة، والدفاع عن الوطن عند الحاجة إلى ذلك، بالقول أو العمل، وجميل أن يموت الإنسان فداء لوطنه، ولكن الأجمل أن يحيا من أجل هذا الوطن الذي نعيش عليه وله الفضل علينا في جميع مجالات حياتنا الاقتصادية والصناعية والزراعية والتجارية والعلمية والتعليمية والصحية وغيرها.
وأختم بما رواه الترمذى وحسّنه، عن عبد الله بن عدي أنه سمع رسول الله صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو واقف على راحلته بالحَزْوَرَة مِن مكة يقول: "وَالله إِنَّك لَخَيْرُ أَرضِ اللهِ وَأحَبُّ أرْضِ اللهِ إِلًى اللهِ، وَلَوْلاَ أنِّي أخْرِجْتُ مِنْكِ مَاَ خَرَجْتُ"، فما أروعَها من كلمات تنم عن حب عميق، وانتماء صادق، وتعلق كبير بالوطن.
حفظ الله مصر من كل خائن، ووهبنا حبها، والعمل على رفعتها، والدفاع عنها، والتضحية فى سبيلها، والعيش من أجلها، والموت فى سبيل الحفاظ على أرضها.

[email protected]

تم نسخ الرابط