لا تجد في عالمنا منطقةً عصفت بها عواصف الصراعات والنزاعات النابعة منها أو المفروضة عليها كمنطقتنا؛ ولطالما كانت عوامل الجغرافيا والتاريخ والثروات أسبابًا لذلك – فهي من حيث الجغرافيا قلب العالم، وهي مهبط الوحي السماوي كله كما عرفه البشر، وهي ينابيع الحضارة البشرية التي علمت الدنيا، وهي اليوم صاحبة ثروات طبيعية طائلة وثروات بشرية لا تدانيها فيها منطقة أخرى... ولك أن تعلم أن جُل بلدان العالم القوية إما شائخة سكانيًا أو على وشك ذلك (حتى الهند، لأن عدد الشيوخ فيها سيفوق عدد الشباب بحلول عام ٢٠٥٠)؛ لذا ستظل منطقتنا تموج بين المُرتَجَى لها من أبنائها والمُبتغَىلها من غيرها.
غير أن هذا المبتغى -ولو نبع من الخارج- فقد بات أخبث ما فيه أنه يُنَفَّذ بأيدي أبناء المنطقة إما بغفلة عقل، أو بتعيس نقل، أو بخيانة خائن. تجد بَغْي التاريخ بخضوع المنطقة للاستعمار الناهب للثروة، المعطلللنهضة، المستتبع للدول، المؤلِّب مكوناتها البشرية على بعضهم بعضًا؛ ثم كانت ضمانة استمرار الاستعمار بعد زواله المادي بإقامة الكيان الغاصب المسمى إسرائيل؛ فكانت ذروة بغاء (أي: فجور) السياسة الباعثة على استمرار الدور الاستعماري الناهب بإرادة القوى الاستعمارية السابقة.
وما كادت دول المنطقة تسلك مسلك السلام ببداية مصرية جسورة إثر حروب لم تترك لمصر مجالاً للتقدم أو للبناء أو لعصمة الدماء، حتى ابتلينا بإحياء داء الإرهاب الذي كنا نسيناه من تنظيم إرهابي أنشأه المحتل السابق ضمانًا لوجود ذراع طولى له يحركها تحريكًا وظيفيًا حيثما شاء وكيفما شاء – هو والقوة العالمية التي ورثت الأسد البريطاني لغةً وفكرًا وانتشارًا. فوّت العرب الفرصة تلو الفرصة، وأجادوا التحامل على بعضهم بعضًا تسفيهًا وتخوينًا وحربًا، فأضعفوا أنفسهم بأموالهم. غذت هذه الحال غيابات الكبار عن الساحة العربية، وتطلّع البعض إلى دور يفوق قدرته وتاريخه وحجمه، واهتزاز الدور المصري لأسباب تتعلق تارةً بضعف الرؤية والحراك وتارات بتعاظم التحديات والثارات. وترتب على ذلك سعي كل مستأسد على أخيه، مستسلم لأعاديه، إلى خطب وُد من يظن الأمان بأيديهم، والاقتصاد بجيوبهم، والمستقبل في ركابهم... والنتيجة؟ تغييب عوامل القوة الحاضرة، وتشويه فرص المستقبل الواهية.
أكتب هذا وقد نجحت فصائل المقاومة الفلسطينية في عمل نوعي غير مسبوق صعّد طبيعة الصراع مع إسرائيل إلى آفاق غير مسبوقة، ولذلك نتائج أتوقعها -على سبيل المثال لا الحصر- في النقاط الآتي بيانها، وهي نقاط تنتظم في مسلك الحظ العاثر للمنطقة الذي ما انفك يلازمها:
• استمرار الشقاق الفلسطيني الداخلي.
• انهيار مباحثات مشروع الربط بين الهند والخليج وإسرائيل.
• ممارسة ضغوط شديدة على مصر لتبني مواقف معينة، والبداية بخفض تصنيفها الائتماني.
• اشتداد الخلافات الداخلية الإسرائيلية، والتمسّح بالخلافات السياسية على مشاريع الإصلاح القضائي بالخصوص لرفض التجنيد / الاستدعاء للاحتياط، ولو جزئيًا.
• انهيار حكومة نتنياهو عما قريب، وربما انهيار فرص حزبه في الحياة السياسية لوقت ليس بالقليل.
• محاولة الضغط على مصر بالتلويح بعملية برية كبرى ضد قطاع غزة، والشروع فيها ولو على استحياء لما لذلك من تبعات على أمن الحدود.
• استهداف جانب من جهود إعادة الإعمار المصرية في قطاع غزة بذرائع شتى.
• "اتهامات" لمصر بدعم المقاومة أو عدم التعاون في "مكافحة الإرهاب".
• إلهاب الجبهات المحيطة بمصر في الغرب والجنوب؛ ومن ذلك -مثلاً- ابتداء مناورات داخل تشاد تصب في مصلحة الطرف الباغي في السودان!
• نفور المواطنين الإسرائيليين من السكنى بالقرب مما يسمى بغلاف غزة، واضطرار الحكومة الإسرائيلية إلى إحاطة تلك المناطق بمستويات تأمين أقوى وبمحفزات اقتصادية أعلى مستقبلا.
• الفتح الجزئي لمستودعات السلاح التابعة للجيش الأمريكي في إسرائيل كي تستفيد منها إسرائيل.
• صرف مساعدات مالية أمريكية عاجلة إلى إسرائيل.
• اختلال الجبهة الداخلية الإسرائيلية بشدة من هول الصدمة، وبخصوص كيفية رد "العدوان" الفلسطيني، خصوصًا في ظل وجود عشرات الأسرى والجثامين لدى المقاومة.
• تشكيل لجان تحقيق في إسرائيل تستغرق وقتًا لدراسة ما حدث والوقوف على أسبابه والخروج بتوصيات محددة لتنفيذها.
• ظهور أسلحة جديدة على ساحة الصراع بأيدي المقاومة، خصوصًا إذا حاولت إسرائيل تنفيذ احتياج بري واسع لقطاع غزة.
• ضرب منشآت البنية التحتية الحيوية في القطاع.
• استهداف قيادات فصائل غير مشاركة في "طوفان الأقصى" لإشعال الخلافات بين الفلسطينيين.
• إعلان إسرائيل عن استناد تلك الاستهدافات إلى معلومات من "فلسطينيين"، إمعانًا في إثارة الخلاف وتأجيج الصراع الفلسطيني-الفلسطيني.
• اضطرار السلطة الفلسطينية إلى مراوحة موقفها الرافض "للعنف" لمجاراة ما ستؤول إليه الأمور، ولعدم انفراد "حماس" بالصورة.
• لجوء إسرائيل إلى عمليات "نوعية" ضد قيادات فلسطينية في الداخل والخارج لا سيما إذا تغلب الرأي الإسرائيلي القائل بعملية محدودة تحسبًا لمصير الأسرى الإسرائيليين بأيدي المقاومة؛ ولن تقيم إسرائيل في ذلك وزنًا لدولة مسالمة أو صديقة أو داعمة، بل ستقنص حيثما تيسر؛ فعلى دول إقامة المستهدفين أو عبورهم توخي الحذر.
• المعلوم أن جنديًا إسرائيليًا واحدًا (جلعاد شاليط) ظل حبيس الأسر سنين عددًا لدى حماس، ثم بودل بأكثر من ألف أسير فلسطيني؛ لذا فمن العسير استشراف القادم في ظل عشرات الأسرى حاليًا.
• احتمال المساومة على أفراد ومصالح واتفاقيات وإجراءات تتجاوز حدود فلسطين، بل تمتد إلى ثنايا الإقليم والعالم – سياسيًا وماليًا.
• زيادة الدعم الأمريكي للإنفاق العسكري الإسرائيلي من أجل تطوير قدرات الرصد الراداري ووسائل الدفاع في إسرائيل.
• إشعال فتائل -لا معارك كبرى- على الجبهة اللبنانية وفي الداخل الإيراني ومع الحدود الإيرانية بصورة أو بأخرى لعقاب داعمي حماس.
• بروز أدوار أطراف إقليمية في معادلة الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ومنها إيران والسعودية؛ وفي ذلك شرعنة لدور سياسي علني لإيران في القضية.
• تشديد الحصار على قطاع غزة بمشاركة أمريكية.
• نشاط تركي لإيجاد موقع لتركيا بين المتبارين على دور الوسيط في القضية.
• إشعال الخلافات بين تركيا وإيران على المحور الذي تعتزم تركيا إنشاءه لحصار إيران عن طريق أذربيجان بعد تمكّن الأخيرة من سلخ إقليم ناغورنيكاراباخ من أرمينيا.
• زيادة احتمالات وقوع حوادث "احتكاك" في الخليج العربي ومضيق هرمز.
• زيادة الضغوط على الدول العربية غير المطبّعة للمسارعة بإجراءات التطبيع.
• استغلال كل هذه الأوضاع لتعضيد حضور اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا الشمالية، والقوميين المتطرفين في الهند، وغيرها.
• كثرة التشغيب الإعلامي والتضليل الإعلامي والافتراءات التي تنطلي على كثيرين؛ وقد وجدت أمس -مثالاً لا حصرًا- مشاهد فيديو يتداولها كثيرون لهم من العقل والبصيرة والدرجات العلمية العليا الشيء الكثير، لكنها مشاهد محرفة بإتقان لطائرتي أباتشي إسرائيليتين مزعوم إسقاطهما بضربات من المقاومة الفلسطينية.
• طول أمد الاستهداف والاستهداف المضاد بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، وبلوغ ضربات المقاومة إلى نقاط غير مسبوقة في إسرائيل –خصوصًا بالصواريخ.
•حدوث إعدامات ميدانية بين طرفي الصراع.
• "تحريك" عمليات إرهابية بغطاء "ثوري" في المنطقة، خصوصًا في سوريا.
• تأثير كل ما يحدث حاليًا في مسار الانتخابات الأمريكية المقبلة؛ واستثماره سياسيًا من الأطراف المتنافسة في الداخل الأمريكي.
• استهداف أفراد/مؤسسات تنتمي إلى / تدافع عن قضية فلسطين / قضايا عربية / قضايا مسلمين في دول غربية.
• استغلال بعض القوى العالمية هذا الحدث الجلل لتمرير خططها / تنفيذ إجراءاتها في قضايا تخصها: كالصين (تايوان / الإيغور)، وكروسيا: أوكرانيا.
• تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا.
• قطع المساعدات بأشكالها المالية والسياسية واللوجستية عن فلسطين من الجانب الأمريكي والأوروبي.
• بداية تسخين بؤر بعد هدوئها في مناطق أخرى لسحب لهيب النزاع والتغطيات الإخبارية عن الابنة المدللة.
• لجوء بعض الدول إلى مطالبة قيادات فلسطينية (حمساوية أو غير حمساوية) بمغادرة أراضيها درءًا لاغتيالهم فيها.
• نشاط مكثف لأجهزة الدولة المصرية ولقاءات مباشرة وغير مباشرة مع كل الأطراف المعنية.
• الإعلان عن حوادث "فردية" بدوافع شخصية من أفراد تطال أيديهم إسرائيليين أو فلسطينيين؛ وسيترتب على ذلك حرج ليس باليسير لدول هؤلاء الأفراد / للدول محل وقوع تلك الحوادث.
• "تسرب" إرهابيين ومجرمين من قبضة العدالة في بلدان معينة، عن طريق "اقتحام سجون" أو "هروب" موقوفين. وقد بدأ ذلك بهروب إرهابي من قبضة العدالة الإسبانية، وهروب نحو خمسمائة إرهابي منذ أيام من أخطر وأكبر تجمع للإرهابيين في العالم: سجن مخيم الهول في سوريا.
المطلوب من المواطن العادي اليوم اليقين بالله، وبعدالة قضيته، والثقة في وطنه والتحلي بالوعي وعدم الاندفاع وراء شائعات وأكاذيب وتحريض لن يأتي بشيء إلا بمزيد من الخطر للمنطقة التي يبدو أنها ستظل في ابتلاء ما حملتها أرض وأظلتها سماء!