ads
الخميس 21 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

استقلال السلطة القضائية في مواجهة السلطة التنفيذية

المستشار دكتور عبد
المستشار دكتور عبد العزيز سالمان

إذا كان من الضرورة النص فى الدساتير على استقلال السلطة القضائية ، وأن يعد ذلك أصلاً من الأصول التى تقوم عليها الدولة ، فإن مجرد هذا النص الدستورى لا يكفى لتحقيق استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، وإنما لابد من إيجاد ضمانات حقيقية فعلية تكفل استقلال القاضى، وتكفل استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.. أشار الدكتور عبد العزيز سالمان في البحث القيم المنشور فى مجلـــــــة " "دراســـــــات فـــــى حقـــــوق الإنســــــان"، التى تصدرهــــــــــا الهيئـــــــــة العامـــــــــــة للاستعلامــــــــــــــات، أنه إذا كان الأمر قد استقر فى كثير من البلدان العربية – ومن بينها مصر – على أن السلطة التنفيذية هى التى تتولى تعيين القضاة ، فإن هذا الأمر لايجب أن يكون له أدنى تأثير على استقلال القاضى كقاض أو القضاء كسلطة.

وفى عبارة موجزة نقول أنه يجب أن يتوافر فى النظام القانونى نفسه الضمانات التى تطمئن القاضى إلى استقلاله وحريته.

وإذ انتهينا إلى أن أمر تعيين القاضى بمفرده لا يمكن أن يكون له التأثير الأكبر على استقلال القاضى ، طالما وجدت الضمانات التى تضمن حق استمراره فى منصبه وترقيته وكفالة راتبه.

فلابد من وجود ضمانات حقيقية تكفل استقلال القاضى، بما يحمى فى النهاية المتقاضين، ويكفل الحق فى التقاضى .

وتتمثل الضمانات الجوهرية فى عدة أمور منها :

1) حمايـــــة مرتـــــــب القاضــــــى (1).

تتطلب رسالة القضاء جهدًا ومشقة لتحقيقها ، وهى ذات طبيعة خاصة فى آدائها ، فهى تتطلب التجرد والحيدة والاستقلال ، كما تفترض التفرع الكامل ، فالقاضى لا يجوز له أصلاً أن يجمع إلى جانب وظيفة القضاء عملاً آخر ، وطبيعة عمله واستقلاله لا يسمحان له بأن يباشر نشاطًا خاصًا مثلما هو مقرر لكثير من طوائف العاملين فى الدولة مثل الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات ، وهى كلها وظائف لا شك فى أنها تؤدى خدمات أساسية للمجتمع ، ولكن طبيعتها لا تأبى عليها مباشرة نشاط آخر امتدادًا للنشاط الرسمى ، على عكس وظيفة القضاء تمامًا.

ويعد مرتب القاضى من أهم الضمانات الأساسية لحسن أداء رسالة القضاء ، والسيطرة على مرتبات القضاة تكاد تصل لتكون سيطرة على إرادتهم ، وبالتالى مساسًا مباشرًا بصرح القضاء، ومن ثم فإن استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية يقتضى أول ما يقتضى أن يكون تحديد مرتبات القضاة منوطًا بالسلطة القضائية وحدها، وما يقتضيه ذلك أيضًا بعد ضمان المرتب أن يكون المرتب على قدر كبير من الكفاية . بحيث يواجه مطالب الحياة ، ويتفق مع مظهر القاضى ، وسمو رسالته وجلال مهمته من ناحية ، وحتى لا يكون رفع المرتب أو زيادته مطلبًا للقضاة يجعله محلاً للمساومة بينهم وبين السلطة التنفيذية من ناحية أخرى ولا يجوز إنقاص مرتبات القضاة خلال مباشرتهم لعملهم.

ومنذ زمن بعيد ، قال قاضى القضاة" جون مارشال " أنه :" من أجل الخير العام، ولكى نجعل القاضى مستقلاً، أو فى استقلال، وحتى لايؤثر فيه أو يسيطر عليه سوى ربه وضميره، يجب أن يحمى مرتبه من أن ينتقص فى أية صورة سواء فى صورة ضريبة أو غيرها ، ويجب أن يكفل له مرتبه بكامله لمعاونته(1).

وإذا كانت معظم التشريعات التى تنظم أمور القضاة تحدد على وجه قاطع مرتبات القضاة وعلاواتهم ، فإن بعض الدساتير تحرص على أن تؤكد معنى الاستقرار بالنسبة لمرتبات القضاة – حتى لايكون المساس بها  المدخل إلى النيل من استقلال القضاء ، فتنص على أنه " لايجوز انقاص  هذه المرتبات خلال مباشرة القضاة لعملهم".

ولعل حماية مرتب القاضى تتطلب الاستقلال المالى الكامل للسلطة القضائية ذاتها ، بحيث يكون للسلطة القضائية موازنة مالية مستقلة تدرج رقمًا واحدًا فى الموازنة العامة أسوة بما هو مقرر بالنسبة لموازنة السلطة التشريعية ، فيستقيم التوازن الدستورى بين السلطات الثلاث ، بأن تصبح كل سلطة سيدة موازنتها ، بعيدًا عن مظنة التأثير والتحكيم من جانب أية سلطة من السلطتين الأخريين(2).

ولقد كانت موازنة السلطة القضائية واستقلالها مطروحة بشدة على لجنة الخمسين التى تولت وضع مشروع دستور 2014 .

وقد حرصت اللجنة كل الحرص على الاستقلال المالى للسلطة القضائية ، وامتد الحرص إلى الهيئات القضائية الأخرى . فقد أورد الدستور فى المادة (184) على أن :" السلطة القضائية مستقلة، تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقًا للقانون، ويبين القانون صلاحياتها، والتدخل فى شئـون العدالــة أو القضايا، جريمة لا تسقط بالتقادم".

ونصت المادة (185) على أن " تقوم كل جهة، أو هيئة قضائية على شئونها، ويكون لكل منها موازنة مستقلة، يناقشها مجلس النواب بكامل عناصرها، وتدرج بعد إقرارها فى الموازنة العامة للدولة رقمًا واحدًا، ويؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها".

2) عــــــــــدم القابليــــــــــــة للعــــــــــــزل:

يعد مبدأ عدم قابلية القاضى للعزل تصحيحًا لوضع خلقه تعيين السلطة التنفيذية للقضاة . وهو أحد أهم ضمانات استقلال القضاة ، ويمثل من الناحية النظرية إحدى النتائج الجوهرية لمبدأ الفصل بين السلطات ، كما أن تلك الضمانة تعد من الناحية العملية الرمز الظاهر والملموس لوجود سلطة قضائية مستقلة .

وإذا كان القضاء هو المسئول عن إرساء دعائم العدالة فى المجتمع والمنوط به حماية حقــــــــوق المواطنين وصـــــــون حرياتهم ، فإن القاضى هو التجسيد الحى للعدالة ، ومن ثم يصبح ضروريًا إدراك العلاقة بين هذه الحقيقة وبين استقلال القضاء ، وليس ذلك توكيدًا لحقيقة قد عُدت من المسلمات فحسب ، بقدر ما هو إرساء لضمان من أهم الضمانات الديمقراطية فى أى مجتمع متحضر(1).

ويعنى مبدأ عدم القابلية للعزل أنه لا يجوز إبعاد القاضى عن منصبه القضائى سواء بطريق الفصل أو الإحالة إلى التقاعد أوالوقف عن العمل أو النقل إلى وظيفة أخرى إلا فى الأحوال وبالكيفية المنصوص عليها فى القانون.

ذلك لأن طبيعة الوظيفة القضائية تقتضى أن يضع القانون ثقته فى ذكاء القاضى وضميره ، ويعتمد عليه كأداة شخصية للعمل القضائى ، فيقضى عنه أية مؤشرات أو ضغوط خارجية يمكن أن تفرض عليه آراء مسبقة أو مدفوعة بمصالح أخرى غير مصلحة النظام القانونى ، فإن القاضى هو أداة هذا النظام فى التعبير عن نفسه عند تعثره ، واستقلاله يضمن استبعاد العوامل الخارجية التى يمكن أن تقطع العلاقة المباشرة بين الأداة ووظيفتها.

ولا ريب أن ذلك يقتضى أولاً أن يكون القاضى مستقلاً استقلالاً وظيفيًا بما يعنى أنه لا يخضع لسلطة رئاسية تملى عليه ما يقضى به فى دعوى منظورة أمامه ، أو أن يكون مسئولاً أمام هذه السلطة عن قضائه ، إنما هو خاضع فقط للقانون الذى يقوم بتطبيقه وفقًا لما يمليه عليه اقتناعه وضميره ، ويقتضى ثانيًا أن يكون هذا القاضى مستقلاً استقلالاً شخصيًا بما يعنى تحريره من الخوف وتأمينه عند الحاجة بتقرير ضمانات دستورية وقانونية عديدة ، لعل أهمها عدم قابليته للعزل(1).

وضمانة عدم القابلية للعزل إذا كانت توفر للقاضى الاطمئنان وتحميه من مؤثرات السلطة التنفيذية وضغوطها ، فإنها فى الوقت ذاته ليست امتيازًا للقاضى بقدر ما هى – فى المقام الأول – حماية للمتقاضين، وضمان لحسن إدارة القضاء ، وليس معنى ذلك أن القاضى أصبح مالكًا لوظيفته، أو أنه مهما أخطأ أو أساء فسوف يكتب له الاستمرار فيه ، ولكنها تعنى تأمينه ضد أى حظر قد يتهدده أو أية ضغوط قد يتعرض لها دونما إخلال بمساءلته عن أية أخطاء يرتكبها(1).

لكن يثور التساؤل عن مدى إطلاق مبدأ عدم القابلية للعزل ، وهل من قيود ترد على هذا المبدأ ؟

عدم قابلية القاضى للعزل لاتمنع مساءلة القاضى تأديبيًا وتوقيع الجزاء التأديبى عليه الذى قد يصل إلى عزله أو إبعاده عن الوظيفة القضائية ، شريطة أن يتم ذلك فى إطار التأديب ، ووفقًا لقواعده ، ولابد أن تكون قواعد التأديب وإجراءاته واضحة وضوحًا تامًا ، لا لبس فيها ولا غموض، ولا أن تكون النصوص المنظمة لذلك تحتمل أوجه عديدة من التفسيرات التى يمكن أن يلجأ إليها العصف بهذا المبدأ والنصوص المنظمة لعزل القاضى تأديبيًا لابد أن تكون مصاغة فى صورة قواعد عامة مجردة توضح فيها أسباب العزل وحدوده وقيوده وضوابطه وإجراءاته ، لأنه إذا لم يبن على أصول وإجراءات واضحة ومحددة سلفًا يهدد استقلال القضاء ويهدد بالضرورة حسن سير العدالة . والأهم من جميع ما تقدم هو أن تتم إجراءات التأديب وتوقيع العقوبة التأديبية بقرار من السلطة القضائية ذاتها ، بإجراءات تضعها هى ، تكفل من خلالها للقاضى كل الضمانات الموضوعية والإجرائية .

وفى صدد التوفيق بين مبدأ عدم قابلية القضاة للعزل وبين إمكان عزلهم إذا ارتكبوا ما يستوجب ذلك " العزل التأديبى " . فقد انتهت اللجنة الرابعة للمؤتمر الدولى لرجال القانون الذى عقد فى مدينة نيودلهى بالهند فى عام 1959 إلى وجوب حصر أسباب العزل التأديبى فى حالات ثلاثة فقط، هى :

1- العجز الجسمانى أو العقلى .

2- صدور حكم بالإدانة لارتكاب جريمة جنائية جسيمة .

3- عدم الاستقامة .

وأن اللجوء إلى أسباب أخرى وأساليب مختلفة لعزل القضاة مثل: العزل بطريق التصويت التشريعى، أو العزل بناء على قرار اتهام جنائى، يجعل استقلال القضاء أمر غير مضمون.

ومن مقتضيات عدم القابلية للعزل أن يظل القاضى محتفظًا بوظيفته حتى بلوغ سن التقاعد المنصوص عليه فى القانون المنظم للسلطة القضائية، دون أن تكون لأية جهة أو سلطة الحق فى عزله أو تنحيته أو إقصائه عن وظيفته أو ممارسة أية أساليب للضغط أو القسر أو الإكراه لحمله على ترك وظيفته.

ولا يجوز أيضًا أن يتم عزل القضاة بطريقة ضمنية تحت أية غطاء أو حجة، وبصفة خاصة تحت ستار إعادة تشكيل الهيئات التى تقوم عليها السلطة القضائية ، أو إعادة تنظيمها.

ولاشك أن دعاوى إعادة تنظيم القضاء أو إعادة تشكيل هيئاته عادة ما يكون الهدف من ورائها هو النفاذ بطريق ملتو إلى السلطة القضائية للاعتداء عليها بإهدار استقلالها أو النيل منها للإطاحة بضمانتها أو التأثير فيها بإقصاء بعض رجالها عن مناصبهم بعد إعادة التشكيل أو إعادة التنظيم المزعوم.(1)

 

- المحكمــــــــة الدستوريـــــــة العليـــــــا تؤكـــــــد علـــــــى كـــــــل هـــــــذه المبـــــــادئ السابقـــــــة فـــــــى حكـــــــم مـــــــن أهـــــــم أحكامهـــــــا:

وننقل جانبًا من حيثيات هذا الحكم الصادر بجلسة 15/6/1996 فى القضية رقم 34 لسنة 16 قضائية "دستورية" ، حيث قالت " وحيث إن الدستور قد نص فى المادة (166)، على أن القضاة مستقلون، لاسلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأى سلطة التدخل فى القضايا أو شئون العدالة؛ وكان هذا الاستقلال يتوخى أن يكون عاصماً من التدخل فى شئون السلطة القضائية، أو التأثير فى مجرياتها، أو تحريفها، أو الإخلال بمقوماتها باعتبار أن القرار النهائى فى شأن حقوق الأفراد وواجباتهم وحرياتهم، بيد أعضائها، ترد عنهم العدوان، وتقدم لمن يلوذ بها الترضية القضائية التى يكفلها الدستور أو القانون أو كلاهما، لايثنيها عن ذلك أحد. وليس لجهة أياً كان شأنها، أن تصرفها عن مهامها أو تعطلها.

وحيث إن استقلال السلطة القضائية مؤداه: أن يكون تقدير كل قاض لوقائع النزاع، وفهمه لحكم القانون بشأنها، متحرراً من كل قيد، أو تأثير، أو إغواء، أو وعيد، أو تدخل، أو ضغوط، أيا كان نوعها أو مداها أو مصدرها أو سببها أو صورتها، مايكون منها مباشراً أو غير مباشر؛ وكان مما يعزز هذه الضمانة ويؤكدها، استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأن تنبسط ولايتها على كل مسألة من طبيعة قضائية، وأن يكون استقلال أعضائها كاملا قبل بعضهم البعض، فلا تتأثر أحكامها بموقعهم من رؤسائهم أو أقرانهم على ضوء تدرجهم وظيفياً فيما بينهم. ويتعين على السلطة التنفيذية بوجه خاص ألا تقوم من جانبها بفعل أو امتناع يجهض قراراً قضائياً قبل صدوره، أو يحول بعد نفاذه دون تنفيذه تنفيذاً كاملاً. وليس لعمل تشريعى أن ينقض قراراً قضائياً، ولاأن يحور الأثار التى رتبها، ولا أن يعدل من تشكيل هيئة قضائية ليؤثر فى أحكامها. بل إنه مما يدعم هذا الاستقلال، أن يكون للقضاة حق الدفاع عن محتواه بصورة جماعية، من خلال الآراء التى يعلنونها، وفى إطار حق الاجتماع.

ويتعين دوماً أن يكون إسناد القضايا إليهم وتوزيعها فيما بينهم عملاً داخلياً محضاً، فلاتوجهه سلطة دخيلة عليهم أياً كان وزنها. ولا يجوز كذلك- فى إطار هذا الاستقلال- تأديبيهم إلا على ضوء سلوكهم الوظيفى، ولاعزلهم إلا إذا قام الدليل جلياً على انتفاء صلاحيتهم، ولاخفض مدة خدمتهم أثناء توليهم لوظائفهم، ولاتعيينهم لآجال قصيرة يكون عملهم خلالها موقوتاً، ولا اختيارهم على غير أسس موضوعية تكون الجدارة والاستحقاق مناطها. ويجب بوجه خاص أن توفر الدولة لسلطتها القضائية -بكل أفرعها- مايكفيها من الموارد المالية التى تعينها على أن تدير بنفسها عدالة واعية مقتدره، وإلا كان استقلالها وهمًا".

3) إبعـــــــــــاد السلطة التنفيذيـــــــــــة عن ترقيـــــــــــات وتنقلات القضـــــــــــاة :

من أهم الأمور اللصيقة باستقلال القضاة أن تكون ترقيات القضاة وتنقلاتهم بعيدًا تمامًا عن السلطة التنفيذية ، وجعل كل ما يتعلق بهذين الأمرين بيد السلطة القضائية ذاتها وفقًا لقواعد محددة وصارمة .

وإزاء ما تقدم ، فقد اتجهت بعض النظم إلى حرمان القاضى من أية ترقية، استنادًا إلى أن مبدأ الترقية فى ذاته يتنافر مع ما يجب أن يتمتع به القاضى من استقلال ، إذ أن إعمال مبدأ الترقية يتطلب إخضاع عمل القاضى لنوع من التقييم أو التقدير ، والتقييم فى ذاته ينتقص من شأن القاضى حتى لو تولى هذا التقييم رجال من السلك القضائى ذاته.

فمجرد أن يعين القاضى يحصل على مرتب مناسب يغنيه عن أية ترقية ، والترقية إن تمت لا تفيد القاضى ماديًا أو معنويًا(1).

أما النظم الأخرى ، فترى أن التطلع إلى الترقية شعور ضرورى ، ودافع للنشاط والاجتهاد ، ولابد من الأخذ بها.

وإذا كانت الترقية هى الشعور الوحيد المؤثر الذى تستطيع السلطة التنفيذية استغلاله للتأثير فى القاضى ، ومن ثم لزم أن تبعد السلطة التنفيذية تمامًا وأن يعهد بهذا الأمر برمته إلى السلطة القضائية ذاتها. وهذا هو المعمول  به فى العديد من البلدان ومن بينها مصر على تفصيلات ليس هنا موضعها.

4) وضـــــــــــع نظـــــــــــام خـــــــــــاص لمسئوليـــــــــــة القضـــــــــــاة  :

لا يكتمل الاستقلال للقاضى ، ما لم يكن هناك نظام خاص ينظم مسئولية القاضى ، سواء المسئولية التأديبية ، أم المسئولية المدنية.

أما عن النظام الخاص للمسئولية التأديبية للقاضى ، فلا يتحقق إلا إذا تولى التأديب القضاة أنفسهم وفقًا لقواعد إجرائية وموضوعية واضحة تمام الوضوح لا مجال للبس فيها . أما المسئولية المدنية ، فإن المقرر أن أحكام المحاكم تخضع للمراجعة عن طريق الطعن عليها أمام محكمة أعلى دون أن يخضع القاضى مصدر الحكم لأية مساءلة أو أية مطالبة بتعويض إلا فى الحالات المتعلقة بالخطأ المهنى الجسيم أو الغش أو الغدر حتى يستطيع القاضى أن يباشر عمله بكامل حريته واستقلاله دون وجل أو خوف من الملاحقة من ناحية ، ومن الناحية الأخرى لأننا لو أجزنا مقاضاة القاضى ومساءلته مدنيًا عما يفصل فيه من دعاوى فإن سيلاً من دعاوى التعويض التى يرفضها المتقاضون الخاسرون لن تنقطع لأنه لابد فى معظم الدعاوى من محكوم ضده ومحكوم له.

5) توفير الكفاية المهنية للقاضى  :

من أهم عناصر الاستقلال ، ألا يخضع القاضى فى وظيفته لغير القانون فالقضاء مهنة قانونية يجب أن يتوافر فيمن يتقلدها التكوين المهنى القانونى أو يجب أن تراقب الدولة الشروط التى تكفل هذا التكوين القانونى ، سواء كان التكوين الأساسى فى كليات الحقوق أو التكوين المهنى من خلال معاهد إعداد القضاة ، والتكوين المستمر من خلال الاطلاع الدائم العام ، والمتخصص ، بما يكون لديه الملكة القانونية التى تمكنه من تكوين الرأى القضائى ، ذلك الرأى الذى يعكس بدقة وأمانة المركز الموضوعى للخصوم . والعمل القضائى يقتض من القاضى أن يكون ممتهنًا للقضاء ومتمرسًا عليه ، ومتفرعًا له منقطعًا لفرائضه (1).

 


 


(1) يراجع فى ذلك :

الدكتور محمد عصفور ، مرجع سابق ، الصفحة رقم 368 وما بعدها.

الدكتور محمد كامل عبيد ، استقلال القضاء ، نادى القضاة بالقاهرة ، 1991 ، الصفحة رقم 378 وما بعدها.

(1) الدكتور محمد عصفور ، مرجع سابق ، الصفحة رقم 369 .

(2) الدكتور محمد كامل عبيد ، مرجع سابق ، الصفحة رقم ، 381.

(1) الدكتور محمد كامل عبيد ، مرجع سابق ، الصفحة رقم ، 169.

(1) الدكتور محمد كامل عبيد ، مرجع سابق ، الصفحة رقم  170.

(1) الدكتور محمد كامل عبيد ، مرجع سابق ، الصفحة رقم  172.

(1) الدكتور محمد كامل عبيد ، مرجع سابق ، الصفحة رقم ، 264.

(1) الدكتور محمد عصفور ، مرجع سابق  ، الصفحة رقم 377 وما بعدها.

(1) المستشار الدكتور عبدالعزيز سالمان : ركائز المحاكمة العادلة ، سنة 2018 ، دار سعد سمك ص 227 وما بعدها.

تم نسخ الرابط