من أفضل ما قرأت: كتاب "فقه النوازل.." أحد إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة "رؤية" التى تصدر بالتعاون مع وزارة الأوقاف، وأنصح بقراءة هذا الكتاب واقتنائه نظرًا للأهمية البالغة لموضوعاته، وأظنه سيكون ضمن معروضات جناحي وزارة الأوقاف وهيئة الكتاب فى معرض الكتاب القادم إن شاء الله تعالي.
الكتاب يعد تأصيلا علميا وفقهيا لفقه النوازل والمستجدات، ويتناول قضايا من الأهمية بمكان مثل: الحجر الصحي، العزل المنزلي، أداء العبادات والشعائر في زمن النوازل والجوائح، ويجيب على كثير من الأسئلة الشائكة في بابه، ويؤكد عدم التناقض بين الإيمان والعلم، ويبرز حاجتنا إلى الدعاء والدواء معا، فليس أحدهما بديلا للآخر ولا نقيضا له. ويوضح الكتاب العلاقة بين القواعد الفقهية والأصولية، والمستجدات العصرية، من خلال إعمال العقل في فهم صحیح النص، وحسن قراءة الواقع، وإسقاط حكم النص على مناطه من الواقع، كما يوضح خطورة التدين المبني على الجهل أو الهوى، وخطورة الجمود عند ظواهر بعض النصوص دون فهم مقاصدها، وما يقتضيه فقه الواقع، وفقه المتاح، وفقه الموازنات، وترتيب الأولويات، في التعامل مع النوازل والمستجدات.
شارك فى تأليف الكتاب وقدم له وأشرف عليه الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف مع نخبة من كبار العلماء والباحثين المتخصصين في الدراسات الفقهية والشرعية.
يقول الدكتور محمد مختار جمعة فى تقديمه للكتاب: للأحوال العادية أحكامها، وللنوازل أحكامها، والطامة الكبرى في انسداد أفق من لا حظ لهم من العلم النافع، ممن جمدت عقولهم عند حفظ بعض المسائل أو الأحكام الجزئية دون أن يلموا بشيء من فقه الأولويات أو فقه النوازل، ولم يفقهوا شيئا من قضايا الاستحسان والاستصحاب، أو المصالح المرسلة، أو ما عمت به البلوى، دون أن يفرقوا بين الكليات والجزئيات، ودون أن يحسنوا ترتيب الكليات أو المقاصد الضرورية، ولم يفقهوا مراد الشارع منها، إنما جعلوا عمدتهم ورائدهم في كل شيء بعض ما حفظوه من بطون الكتب أو ما أخذوه على يد كبيرهم في الجماعة أو التنظيم، فيحفظونه وكأنه القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بل إن أحدهم يجادلك في فهم النص القرآني المقدس ولا يسمح لك أن تراجعه أو تناقشه في كلام شيخه ومرجعه حتى لو كان هو أيضا لم يفهم كلام من نقل عنه على وجه صحيح، لأن القيادات التراتبية أو الهرمية في هذه الجماعات لا تسمح بالنقاش أو المراجعة أو الحوار العقلي.
وللأسف الشديد لا يزال هناك متحجرون يقفون عند ظواهر النصوص ولا يتجاوزون الظاهر الحرفي لها إلى فهم مقاصدها، فيقعون في العنت والمشقة على أنفسهم وعلى من يحاولون حملهم على هذا الفهم المتحجر، دون أن يقفوا على فقه مقاصد السنة النبوية المطهرة بما تحمله من وجوه الحكمة واليسر، وما لو أحسنا فهمه وعرضه على الناس لغيرنا تلك الصورة السلبية التي سببتها أو سوقتها الأفهام والتفسيرات الخاطئة للجماعات الإرهابية والمتطرفة والمتشددة ورؤى أصحاب الأفهام السقيمة الجامدة المتحجرة على حد سواء، ورحم الله الحسن البصري حين قال: ".. فإِن قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بِأسيافهم على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا".
وإحقاقا للحق فإن كل الموضوعات التى تناولتها إصدارات وزارة الأوقاف فى عهد الدكتور محمد محتار جمعة، تتسم بالجرأة العلمية، وتتناول موضوعات عصرية فى غاية الأهمية بأسلوب عصري بسيط يسهل فهمه ويناسب الشباب، فما أحوجنا إلى مثل هذا الخطاب الديني الذى يتعامل بموضوعية شديدة مع مستجدات العصر، ويدرك إدراكا تاما للواقع، ويرتكز على فهم المقاصد العامة للشرع الحنيف.