ads
الخميس 26 ديسمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

( المسافة صفر ) جملة من كلمتين دخلت قاموس حياتنا من جديد  يصاحبها حدث كبير وعظيم  ويطيب لنا سماعها ، لطالما  يرددها أبو عبيدة -  حفظه الله  - وهو بصدد الإعلان عن سير العمليات وحصر خسائر العدو في ملحمة الطوفان وهو يقول :  تمكن مجاهدونا بفضل الله من تدمير آليات العدو وجنوده من (المسافة صفر)  لعلنا لم نسمعها من قبل على لسان  أي ناطق عسكري في غالب الحروب المعاصرة ، وفي أبجديات العلوم العسكرية أن المسافة صفر تعني المستوى الثالث من استراتيجية الحروب وغالباً ما تحدث عند لحظة إحتدام وتداخل طرفي المعركة وجهاً لوجه  فيما يسمى بمنطقة القتل والفزع ، ويلجأ إليها المدافعون في التعامل مع  سياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها العدو  ، والمسافة صفر تستدعي حروب العصور القديمة - حروب الشجعان -  وهم مكشوفي الصدر والرأس ،  وعتادهم السيف والرمح  ويحضرني في هذا المقام سيدنا حمزة رضي الله عنه أسد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم حينما  كان يضع ريشة نعام علي صدره في الحرب ليميز بها نفسه لمن يريد أن يبحث عنه في المعركة ، وأصحاب الصفر هم  هؤلاء العظام الذين يحاربون بلا دروع وسماؤهم مكشوفة ،  وهم  يتسلقون الرمال ويفجرون المركبات والآليات المجنزرة  بالجنود وهم حفاة ولكنهم يرتدون لباس العقيدة ، بينما  الجبناء يتحصنون داخل الكتل الحديدية لايستطيعون المواجهة، لقد غيرت المقاومة الفلسطينية كل فنون العلوم العسكرية وقواعد الرياضيات والهندسة لتحول (المسافة صفر) من قيمة عددية رمزية  إلى قيمة معنوية رفيعة المقام ، إن المشاهد التي تبثها المقاومة من أرض الميدان وهي تسجل جسارة المقاتل الفلسطيني  بتفجير فخر الصناعة الإسرائيلية "الدبابة  ميركافا" من ( المسافة صفر) ليجعلها  خردة حديدية تلتهمها نيران ( الياسين) لتعيد إلى اذهان الأطفال في الغرب اساطير ابطال هوليوود ، هذه الشجاعة والجسارة أثارت فضول الشباب والفتيات ليبحثوا عن الإسلام مصدر هذا الفارس المغوار ، ليس فحسب بل انتقل أيضاً إلي التفتيش عن سر إيمان وصمود المدنيين العزل وهم يحملون أشلاء شهدائهم من الأبناء   جراء هجوم الطيران الغاشم للإحتلال ، ولسانهم  لا ينطق  إلا بالحمد والإحتساب إلى الله في  خشوع ورضا ،لقد فجرت المقاومة تعاطفاً في الرأي العام العالمي شهدته عواصم أوروبا وفي قلب لندن صاحبة وعد بلفور قاتله الله ، وإلى أصحاب نظرية نصف الكوب  الذين ينظرون إلى ضخامة الخسائر البشرية التي لحقت بصفوف المدنيين العزل من الأطفال والنساء والشيوخ وقد تخطت حصيلة الشهداء عتبة العشرين ألفاً ، فقد أثبتت التجارب أن كل حركات التحرر الوطني في بلدان العالم حققت نجاحاتها العظمى بعد تصعيد عسكري، لا غرو أن يعقبه خسائر بشرية كبيرة تقع في صفوف المدنيين ، مثلما حدث في فيتنام مع الأمريكيين إذ وصلت خسائر الفيتاميين البشرية في بعض التقديرات إلى ثلاثة ملايين ونصف ، وقبلها خلال ثورة الشعب الجزائري التي إستمرت عقوداً راح ضحيتها قرابة مليون ونصف شهيد ولكن في النهاية كُللت بإستقلال البلاد ، فهل أخطأت الثورات في تقدير الموقف ؟!
لقد تركت هجمات السابع من أكتوبر ندوباً نفسية عميقة لدى جنود الإحتلال ستنتهي بهم إلى المصحات النفسية إلى غير رجعة  ،  واوقفت محادثات التطبيع مع دول محورية أخرى ، لقد نجحت حماس في كسر أسطورة الجيش الذي لا يقهر . بعد أن تفوقت عليه  في التطور النوعي والتكنولوجي الذي أذهل العالم  ، ورسخت فشله الأمني والإستخباراتي ، وأعادت  القضية الفلسطينية إلي الواجهة بعد أن نسيها العالم أو كاد ، وعلي صعيد رد الإحتلال البربري بضرب المدنيين العزل فقد  عزز حقيقة دامغة أنها قوة إحتلال غاشمة وهو ما يقوض صورتها لدى الرأي العام العالمي  ، فهل خسرت حماس؟!,

تم نسخ الرابط