لو كان لي أن أعيش فترة من الزمن لاخترت دون تردد فترة ثلاثينيات أو أربعينيات القرن الماضي .
أنا أثق مما أقول .
ولو كان لي أن أختار مدينة أعيش بين أجوائها من بين مدن العالم لاخترت بدون تردد الإسكندرية
أنا أثق مما أقول .
قل في ذلك ما شئت ..
قل الحنين إلى الماضي أو الشوق الممزوج بالألم .. !
سميها نوستالجيا كما أطلق عليها الآثنيون .
يمكنك أن تصفها إن شئت أنها نوع من الخوف أو الهروب أو عدم التكيف الاجتماعي بالشكل الكاف .
صفها كما شئت لكنني على أية حال أثق مما أقول .
كان سيكفيني أن أنتظر العدد الشهري لمجلة الهلال لجورجي زيدان فألتهمه التهاماً .
كان سيكفيني مذياع صغير أستمع فيه للمحطة الأفرنجية أو لعبد الوهاب أو لأ كلثوم أو لهذا الشاب الصاعد عبد الحليم حافظ .
كنت سأكتفي بميدان الرمل ، أهرع إليه صيفاً تحت شمس ساطعة في رفق أو شتاءً تحت مطر عَطِرُ رقيق .
كنت سأأخذ قهوتي الصباحية مع قطعة جاتو في ديليس أو تريانون أو باسترودس .
كنت سأحب ماري أو فاطمة .. لن يكون مهماً من سأقع في حبه لكنني حتماً كنت سأحب .
ستأخذني قدماي إلى شارع فؤاد الأول أشتري لها الزهور من أوبافيون دي فلوريل
Au Pavillon du FLORELLE
أو من إحدى المحلات التي كانت تتناثر على جاني الشارع الأنيق .
كنت سألقي الصباح دوماً عل جارتي اليونانية أو الأرمانية . كنت سألقيه بالعربية أو بالفرنسية لا يهم لكنني كنت سأقول نهارك سعيد .
في عيد الميلاد كنت سأبتهج كثيراً ستأخذني قدماي إلي الكنيسة القبطية لأشارك مريانا تلك الليلة في حب وبهجة .
لن أكون وقتها بحاجة إلى رجل دين يقول لي أن من من الجائز أن أقول لها عيد ميلاد مجيد .
لست في عصر يملي علىَّ رجل دين كيف تكون مشاعري .
كنت سأطبع قبلة على جبين تلك الأم اليونانية وأنا أتمني لها عام جديد سعيد .
من الممكن أن أقضي الليلة في سانتا لوتشيا
Santa Lucia
أستمع إلى البيانو وموسيقى عيد الميلاد .
لن تنسى قدامى أن تجوب شارع النبي دانيال حيث المعبد اليهودى وحارة الأقباط .
لا حاجز يمنعني دون أن تخطو قدماي معبد أو كنيسة .
كنت سأحب ليالي رمضان في ساحة المرسي أبو العباس . طوائف من البشر تحتفل .. كثير من اللغات واللكنات تتناثر هنا وهناك .. لا أحد يفرق بين الشقراء والسمراء . إن المدينة الساحرة كانت توحدنا وصوت الآذان وأجراس الكنائس كانت تعلن وحدتنا وتوحدنا في حب الله .
كنت سأقف أمام البناية التي شيدها الإيطالي والفرنسي لتكون شاهداً على جمال المدينة .
كنت سأتأمل أبواب البنوك التي أوصدت ومعها أبواب بورصة الإسكندرية .
إنها عطلة عيد الميلاد بينما كانت أبواب شيكوريل وبنزبون وصيدناوي والصالون الأخضر تعلن عن التخفيضات الشتوية وعيون الفرنسيبن تنهم من جمال الموضة في تلك الفترينات الأنيقة .
ميدان القناصل يزدحم بالبحارة الذين أرادوا أن يقضوا ليلة رأس السنة هنا في دفء المدينة الشتوي بينما كان الحوذية يزينون عرباتهم للجائلين في ربوع المدينة .
كنت سأجوب الإسكندرية كما كان تفعل كليوباترا عندما كانت تترك الدنيا كلها من أجل هذه المدينة .. !
كنت سأقوم بذلك وأكثر وأملئ قلبي بأمنيات وآمال عام جديد لن يكن أبداً مجرد تغيير في حسابات الزمن .. !