الأحد 29 سبتمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

حدثنا شيخنا بحديث لم نعهده في دروسه من قبل لا هو بالفقه ولا هو بشرح للأحاديث ، إذ قال سأحدثكم عن السرقة وأخلاق اللصوص المتباينة بين الماضي والحاضر كواحدة من الظواهر الإجتماعية الجديرة بالدرس ، فلاشك أنكم تعرفون أن السرقة جريمة انتظمتها شريعة السماء بجزاء يظل يحمل السارق بصمته طيلة عمره عرفناه في الشريعة بحد السرقة ، وكذا القوانين الوضعية قد  أفردت لها عقوبة سالبة للحرية ، ولكني هنا أعرض لشخصية السارق والسرقة كظاهرة تنوعت تنوعاً خطيراً بمرور الزمن وتداعيات الحداثة ، ذلك أن لص الماضي البعيد غالباً كان يخرج من صلب  بيئة أسرفت على نفسها و ربما غاب عنها  الوازع الديني وأنهكها التفكك الأسري، فينشأ فيها لا حظ له من التعليم أو الدين إلا الفتات ، ولصوص الأمس كان منهم  نفر إنما يسرق ليسد حاجته فحسب ، والبعض الآخر كان يسرق من الأغنياء فضول أموالهم  ليردها على الفقراء وذوي الفاقة ، وهؤلاء اللصوص كانت لهم أعرافاً عجيبة يلتزمون بها وهم في الوحل فلا يسرق جاره ولايسرق إمرأة ولايسرق فقيراً ، وكان لكل منهم حيز جغرافي لا يتجاوزه لص آخر ، وفوق هذا وذاك كانت لهم أخلاق .. جاء في كتاب ( بهجة النفوس والأحداق فيما تميز به القوم من الآداب والأخلاق ) لأبي المواهب عبد الوهاب بن أحمد الشعراني : " كان في زمن السلطان قايتباي كبير اللصوص يدعى ( الشاطر حمور) دخل دار تاجر غني يدعى ( المرجوشي) فوجده في غرفة نومه هو وزوجته ، فقال له الشاطر حمور استر أهل بيتك نحن اللصوص فستر التاجر زوجته وقال له خذ ماشئت من أموالي ولاتقتلنا ، فقال له الشاطرحمور إنما دخلنا لنأخذ طعام يومنا هذا فقط ولا شأن لنا بالقتل ، فقال له التاجر (المرجوشي) كم أنتم ؟ فقال له تسعة صبيان وأنا فأخرج لهم عشرة آلاف قطعة من الذهب فقال له الشاطر حمور لا نأخذ إلا مانحتاج إليه فقط ورد إليه باقي الذهب ، وبينما هم في طريقهم للخروج وجد أحد اللصوص علبة طابت لها نفسه فطمع  فيها وفتحها ليتذوق مابداخلها فوجده (ملحاً) فقال له الشاطر حمور: أما وأنك قد أكلت من بيت الرجل ملحاً ، فلا يحق لنا سرقته وأمرهم برد المال إلى التاجر، وخرجوا دون أن يأخذوا  لقمة واحدة " أما لصوص اليوم فنجدهم   ينحدرون من الأسر الأرستقراطية وأصحاب الياقات الرفيعة ووجهاء المجتمعات ، الذين نالوا الحظ الأوفر من التعليم والثقافة ، والسرقة عندهم تأخذ أشكالاً وأنواعاً ولها قوانين وآليات منها المقنن ومنها غير المعلن ، وسرقاتهم  تتجاوز طموحات لصوص الأمس تجاوزاً يفوق ما بين السماء والأرض ، تبدأ بسرقة مقدرات الفقراء مروراً بسرقة الأبحاث والعلوم والفنون حتى سرقة الأوطان وسرقة هويتها ، لصوص اليوم يتصدرون المقاعد الأولى في بعض الأروقة الرسمية بسدة الحكم بالأنظمة الفاشية ودعاة الحرية وحملة ألوية حقوق الإنسان ، لصوص اليوم تضيق حقائب البنوك بأرصدتهم من  المال والذهب ، لصوص اليوم غابت ضمائرهم قبل أن تموت قلوبهم .
واختتم شيخنا حديثه بأن غالبية لصوص الماضي عادوا إلى فطرتهم السليمة وتابوا توبة نصوح بمجرد سماعهم آية تتلى بينما لصوص اليوم قست قلوبهم وتحجرت بعد أن ران عليها الصدأ ، فهذا الفضيل بن عياض الذي كان قاطعاً للطريق فبينما كان يتسور بيتاً لسرقته سمع من يقرأ قوله تعالى" أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ " فقال آن ياربي فصار الفضيل بن عياض من كبار العلماء وأحد أعلام السنة ولُقب بعابد الحرمين .

تم نسخ الرابط