الخميس 07 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

جنوب افريقيا تبلغ محكمة العدل الدولية بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة مع بدء قضية تاريخية

محكمة العدل الدولية
محكمة العدل الدولية

في قضية تضرب جوهر الهوية الوطنية الإسرائيلية في مقتل، اتهمت جنوب افريقيا حكومة إسرائيل رسميا بارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وناشدت محكمة العدل الدولية، المحكمة العليا في الأمم المتحدة، يوم الخميس، بأن تأمر بوقف فوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.
نفت إسرائيل، التي تأسست في أعقاب محرقة النازي (الهولوكوست)، هذه الاتهامات بشدة.
وفما اعتبر دليلا على مدى جدية تعاملهم مع هذه القضية، اتخذ القادة الإسرائيليون خطوة نادرة بالتعامل مع محكمة العدل للدفاع عن سمعتهم الدولية.
كثيرا ما تقاطع إسرائيل المحاكم الدولية أو تحقيقات الأمم المتحدة، وتقول إنها غير عادلة ومتحيزة.
وخلال المرافعات الافتتاحية أمام محكمة العدل الدولية، قال محامون من جنوب افريقيا إن الحرب على غزة تأتي ضمن عقود من القمع الإسرائيلي للفلسطينيين.
قالت المحامية الجنوب افريقية، عادلة هاشم، للقضاة والحضور في غرفة مكتظة داخل قصر السلام في لاهاي إن محكمة العدل ”تستفيد من الأدلة التي تم الحصول عليها خلال الأسابيع الـ 13 الماضية، والتي تظهر - بشكل لا يقبل الجدل – نمطا من السلوك والنية ذات الصلة التي ترقى لمستوى ادعاء معقول بارتكاب إبادة جماعية.”
جلسة الاستماع، التي تستمر يومين، هي الجانب العلني لواحدة من أهم القضايا التي تنظر فيها محكمة دولية على الإطلاق.
يصل النزاع إلى جوهر أحد أكثر الصراعات استعصاء على الحل بالعالم.
تسعى جنوب افريقيا للحصول على أوامر أولية لإجبار إسرائيل على وقف حملتها العسكرية في غزة، حيث قتل أكثر من 23 ألف شخص، بحسب وزارة الصحة في غزة.
وقالت جنوب افريقيا ”لا شيء سيوقف المعاناة إلا بأمر صادر من هذه المحكمة.”
ركزت إسرائيل اهتمامها على هجمات السابع من أكتوبر/ تشرين اول الماضي، عندما اقتحم مسلحو حركة حماس عدة مجتمعات وقتلوا نحو 1200 شخص، معظمهم مدنيون.
كما اختطفوا نحو 250 شخصا، تم إطلاق سراح نصفهم تقريبا.
وعلى الرغم من أن نتائج المحكمة تعد ملزمة، إلا أنه لا يتضح ما إذا كانت إسرائيل ستنفذ أي أمر بوقف القتال.
وإذا لم تنفذ الحكومة الإسرائيلية، قد تواجه عقوبات من الأمم المتحدة على الرغم من أنها قد تُجمد باستخدام حق النقض ”الفيتو" الأمريكي.
تقول إسرائيل إنها تقاتل عدوا شرسا نفذ أعنف هجوم على أراضيها منذ تأسيسها عام 1948.
ويشدد القادة الإسرائيليون على أنهم يلتزمون بالقانون الدولي ويبذلون قصارى جهدهم لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين.
تتهم إسرائيل حماس بالتسبب في ارتفاع حصيلة القتلى، وتقول إن مسلحي الحركة يتمركزون في مناطق سكنية.
وفي منشور على منصة “إكس” بعد الجلسة، وصف ليئور حياة، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، دعوى جنوب افريقيا بأنها ”أحد أكبر استعراضات النفاق” وأشار إلى الفريق القانوني بأنه ”ممثل حماس في المحكمة”. 
كما قال إن محاميي جنوب افريقيا شوهوا الحقيقة في غزة من خلال سلسلة من ”الادعاءات الكاذبة التي لا أساس لها”. ولم يسهب في تفاصيل.
جاء رد الفعل بعد إصرار جنوب افريقيا على أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية عمدا.
وقال المحامي، تيمبيكا نغكوكايتوبي، ”حجم الدمار في غزة، استهداف منازل عائلات ومدنيين، والحرب كونها حربا على الأطفال، كلها توضح أن نية الإبادة الجماعية مفهومة ومورست. النية الموضحة هي تدمير الحياة الفلسطينية.”
وأضاف أن ”الصفة المميزة” للقضية هي ”إعادة وتأكيد خطاب الإبادة من خلال كل صعيد في دولة إسرائيل.”
قبيل الإجراءات، سار المئات من أنصار إسرائيل بالقرب من المحكمة رافعين لافتات تقول ”أعيدوهم إلى الديار”، في إشارة إلى الرهائن الذين تحتجزهم حماس.
كان واحد من المحتجين الإسرائيليين هو مايكل نيفي (42 عاما) اختطف شقيقه على يد حماس. 
وقال ”الناس يتحدثون عما تفعله إسرائيل، لكن حماس ترتكب جريمة ضد الإنسانية كل يوم.”
وفي تظاهرة منفصلة بالقرب منها، لوح أنصار الفلسطينيين بأعلام ولافتات تدعو لإنهاء ”التفرقة العنصرية الإسرائيلية” ولتبني وقف إطلاق نار.
سمعت أحيانا في المحكمة بعض هتافات المحتجين في محيط مبنى المحكمة.
تستهدف القضية أساس الهوية الإسرائيلية وقيام الدولة اليهودية في أعقاب محرقة النازي (هولوكوست) التي قتل خلالها 6 ملايين يهودي.
وتعد أيضا محورية للهوية الجنوب افريقية نفسها، فلطالما شبه الحزب الحاكم ”حزب المؤتمر الوطني الافريقي” سياسات إسرائيل في غزة والضفة الغربية بتاريخ جنوب افريقيا نفسه في ظل نظام الفصل العنصري.
تخاطب إسرائيل، التي أرسلت فريقا قانونيا للدفاع عنها، المحكمة يوم الجمعة.
وقد يستغرق صدور قرار على طلب جنوب افريقيا باتخاذ ما تسمى ”بالتدابير المؤقتة” أسابيع. 
وعلى الأرجح ستستمر القضية لسنوات.
سعت جنوب افريقيا إلى توسيع نطاق القضية إلى ما هو أبعد من الحرب بين إسرائيل وحماس.
وقال وزير العدل الجنوب افريقي، رونالد لامولا، ”إن العنف والدمار في فلسطين وإسرائيل لم يبدأ في 7 أكتوبر (تشرين أول) 2023. لقد عانى الفلسطينيون من القمع والعنف المنهجيين على مدار الـ 76 عاما الماضية”.
بدوره، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بيانا مصورا ليل الأربعاء دافع فيه عن تصرفات بلاده، وأصر على أنها لا علاقة لها بالإبادة الجماعية.
وقال نتنياهو ”إن إسرائيل ليس لديها أي نية لاحتلال غزة بشكل دائم أو تهجير سكانها المدنيين”.
وأضاف أن ”إسرائيل تقاتل إرهابيي حماس، وليس السكان الفلسطينيين، ونحن نفعل ذلك مع الالتزام الكامل بالقانون الدولي”.
كان مسؤولو الصحة في قطاع غزة، الذي تسيطر عليه حماس، قالوا إن حوالي ثلثي القتلى في غزة من النساء والأطفال.
ولا يفرق هذا الإحصاء بين القتلى المسلحين والمدنيين.
وفي السياق، قالت المحامية عادلة الجنوب افريقية عادلة هاشم، إن ”الأمهات والآباء والأطفال والأشقاء والأجداد والعمات وأبناء العمومة يقتلون جميعا معا في كثير من الأحيان. إن هذا القتل ليس سوى تدمير لحياة الفلسطينيين. يتم إجراؤه عمدا. لا أحد يفلت ولا حتى الأطفال حديثي الولادة”.
من ناحية أخرى، أصبح العثور على الغذاء والماء والدواء والحمامات الصالحة للاستخدام بمثابة صراع يومي للفلسطينيين في غزة.
والأسبوع الماضي، وصف منسق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة غزة بأنها ”غير صالحة للسكن”، وقال إن الفلسطينيين ”يواجهون أعلى مستويات انعدام الأمن الغذائي المسجلة على الإطلاق”، وإن المجاعة ”قاب قوسين أو أدنى”.
ولم تحكم المحكمة الدولية، التي تنظر في النزاعات بين الدول، قط على دولة ما بأنها مسؤولة عن الإبادة الجماعية.
وكان أقرب ما حدث في عام 2007 عندما قضت بأن صربيا ”انتهكت التزامها بمنع الإبادة الجماعية” في المذبحة التي ارتكبتها قوات صرب البوسنة في يوليو/تموز 1995 والتي راح ضحيتها أكثر من 8000 رجل وصبي مسلم في جيب سربرينيتسا البوسني.
وتحاكم المحكمة الجنائية الدولية الأفراد بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.
وتتمحور القضية المرفوعة ضد إسرائيل حول اتفاقية منع الإبادة الجماعية التي تم وضعها عام 1948 عقب الحرب العالمية الثانية.
وكانت كل من إسرائيل وجنوب افريقيا من الموقعين على المعاهدة.
تعود إسرائيل إلى قائمة محكمة العدل الدولية الشهر المقبل مرة أخرى، عندما تبدأ جلسات الاستماع في طلب الأمم المتحدة للحصول على رأي استشاري بشأن شرعية السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

تم نسخ الرابط