الإثنين 08 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

حياد القاضي ونزاهته.. في دراسة للمستشار دكتور عبد العزيز سالمان

المستشار دكتور عبد
المستشار دكتور عبد العزيز سالمان

تستقل السلطة القضائية فى مزاولة ولايتها استقلالاً تامًا، بحيث تتمتع كل محكمة وكل قاض داخلها بالقدر اللازم من الاستقلال، فقد جعل المشرع الكلمة الأولى لرجال القضاء فى إدارة شئونهم أو على ذلك فليس لأية سلطة فى الدولة أن تملى على المحكمة أو توصى إليها بوجه الحكم فى قضية ما، وليس لها أن تنزع قضية ما من القضاء للحيلولة بينه وبين الحكم فيها أو تعدل فى الحكم الذى أصدره القضاء أو توقف تنفيذه.. بهذه الكلمات يكشف المستشار دكتور عبد العزيز سالمان في البحث القيم الذي قدمه في مجلة دراسات في حقوق الإنسان التي تصدرها الهيئة العامة للاستعلامات والذي حمل عنوان "استقلال القضاء.. حق من حقوق الإنسان.. وأهم ضماناتها" أنه من الداخل لا يجوز أن تتدخل محكمة فى القضايا المعروضة على محكمة أخرى، ولو كان ذلك بين محكمة عليا ومحكمة أدنى منها، إلا أن يكون ذلك بعد الحكم وبطريقة الطعن فقط (1) .

وسبق أن تناولنا استقلال القضاء كسلطة تقف على قدم المساواة مع السلطتين – التشريعية والتنفيذية – وانعكاس هذا الاستقلال على استقلال القاضى.

بقى أن نتناول فكرة " نزاهة القاضى " أو " " حياد القاضى" . 

والحياد فكرة لصيقة بفكرة الاستقلال من ناحية، ولصيقة بفكرة الحق فى التقاضى من ناحية أخرى.

  • النزاهة والاستقامة أمر أساسى للمنصب القضائى فعلى القاضى أن يؤدى واجبات وظيفته القضائية دون تحيز أو انحراف أو تحامل.
  • على القاضى أن يتأكد من أن سلوكه، داخل وخارج المحكمة من شأنه أن يعزز ثقة الناس عامة والخصوم والمتقاضين فى نزاهة القاضى ونزاهة الوظيفة القضائية.
  • يلزم أن يكون منضبطًا فى سلوكه بالقدر المعقول الذى يحد من الحالات التى يكون فيها من الضرورى تنحيه عن نظر دعوى أو اتخاذ قرار فيها.
  • لا يبدى القاضى تعليقات أو يفصح عن رأيه فى نتيجة قضايا معروضة أو من المرجح أن تعرض عليه.
  • على القاضى أن يبتعد ويتنحى عن نظر أى قضية لا يستطيع أن يتخذ فيها قرارًا نزيهًا بغير تحيز أو ميل، وخاصة إذا كانت لديه معلومات شخصية مسبقة عن النزاع.
  • إذا كان قد سبق أن تولى فيها الدفاع كمحام أو أدلى بشهادة فيها أو كان له مصلحة اقتصادية فيها.
  • على القاضى أن يتأكد من أن سلوكه فوق الشبهات فى نظر الشخص العادى.

ولقد أبانت المحكمة الدستورية العليا فى العديد من أحكامها عن ضرورة حيدة القاضى واستقلاله ، و أن لكل من "النزاهة" و "الحياد" و"الاستقلال" مفهوم محدد ، وهما عنصران متكاملان ينصبان معًا على إدارة العدالة القضائية بما يكفل فعاليتها. وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن استقلال السلطة القضائية، وإن كان لازماً لضمان موضوعية الخضوع للقانون، ولحصول من يلوذون بها على الترضية القضائية التى يطلبونها عند وقوع عدوان على حقوقهم أو حرياتهم، إلا أن حيدتها عنصر فاعل فى صون رسالتها لايقل شأناً عن استقلالها، بما يؤكد تكاملهما.

 ولئن كان بعض الفقهاء يولون عنايتهم لاستقلال السلطة القضائية، ولايعرضون لحيدتها إلا بصورة جانبية، ويمزجون بينهما أحيانًا، إلا أن التمييز بين مفهوم استقلال السلطة القضائية وحيدتها،  يتعين أن يكون فاصلا بين معنيين لايتداخلان . ذلك أن استقلال السلطة القضائية، يعنى أن تعمل بعيدا عن أشكال التأثير الخارجى التى توهن عزائم رجالها، فيميلون معها عن الحق إغواء أو إرغاماً، ترغيباً أو ترهيباً. فإذا كان انصرافهم عن إنفاذ الحق، تحاملا من جانبهم  على أحد الخصوم، وانحيازاً لغيره، لمصالح ذاتية أو لغيرها من العوامل الداخلية التى تثير غرائز ممالأة فريق دون آخر، كان ذلك منهم تغليبا لأهواء النفس، منافيًا لضمانة التجرد عند الفصل فى الخصومة القضائية، مما يخل بحيادهم. 

الدستور واستقلال القضاة

وقد كفل الدستور استقلال السلطة القضائية واستقلال القضاة، فى المادتين (165 و166)، توقياً لأى تأثير محتمل قد يميل بالقاضى انحرافاً عن ميزان الحق، إلا أن الدستور نص كذلك على أنه لاسلطان على القضاة فى قضائهم لغير القانون · وهذا المبدأ الأخير لايحمى فقط استقلال القاضى، بل يحول كذلك دون أن يكون العمل القضائى وليد نزعة شخصية غير متجردة، ومن ثم تكون حيدة القاضـى شرطاً لازماً دستورياً لضمــــــــــان ألا يخضع فى عمله لغير سلطان القانون.

وحيث إن الحق فى رد قاض بعينه عن نظر نزاع محدد، وثيق الصلة بحق التقاضى المنصوص عليه فى المادة (68) من الدستور، ذلك  أن مجرد النفاذ إلى القضاء لايعتبر كافياً لصون الحقوق التى تستمد وجودها من النصوص القانونية، بل يتعين دوماً أن يقترن هذا النفاذ، بإزالة العوائق التى تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة من العدوان عليها، وبوجه خاص مايتخذ منها صورة الأشكال الإجرائية المعقدة، كى توفر الدولة للخصومة فى نهاية مطافها حلاً منصفاً يقوم على حيدة المحكمة واستقلالها، ويعكس بمضمونه التسوية التى يعمد الخصم إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التى يطلبها .

وحيث إن المشرع تدخل بالنصوص التى نظم بها رد القضاة، ليوازن بين أمرين أولهما: ألا يفصل فى الدعوى –وأيا كان موضوعها –قضاة داخلتهم شبهة تقوم بها مظنة ممالأة أحد أطرافها، والتأثير بالتالى فى حيدتهم، فلا يكون عملهم انصرافًا لتطبيـــــــــق حكم القانون فى شأنها، بل تحريفا لمحتواه . ومن ثم أجاز المشرع ردهم وفق أسباب حددها، ليحول دونهم وموالاة نظر الدعوى التى قام سبــب ردهـــــــــــم بمناسبتهـــــــا . ثانيهما : ألا يكون رد القضاة مدخلاً إلى التشهير بهم دون حق، وإيذاء مشاعرهم إعناتًا، أو التهوين من قدرهم عدوانًا، أو لمنعهم من نظر قضايا بذواتها توقيًا للفصل فيها كيدًا ولدداً وكان ضروريًا بالتالى، أن يكفل المشرع – فى إطار التوفيق بين هذين الاعتبارين، وبما يوازن بينهما – تنظيمًا لحق الرد لايجاوز الحدود التى ينبغى أن يباشر فى نطاقها، ولايكون موطئًا إلى تعطيل الفصل فى النزاع الأصلى(1) .
 


(1) يراجع : د. يس عمر يوسف : استقلال السلطة القضائية فى النظامين الوضعى والإسلامى - رسالة دكتوراه -كلية الحقوق جامعة عين شمس سنة 1984 ، ص 204 ومابعدها . 

(1) الحكم فى الدعوى رقم 38 لسنة 16 قضائية "دستورية"- جلسة 16/11/1996.

تم نسخ الرابط