كلما أشرق علينا عام جديد أصبح لزامًا علينا أن نعيد تقييم كل مردودات العام المنصرم بما يتيح تقويم وبلورة عقد اجتماعى جديد تصاغ بنوده بتصورات بهية وقضايا مستقبلية تدفعنا نحو التقدم والازدهار ليحدو بنا نحو خوض معركة الوجود التى نأتمر بأمرها فتستنهض فينا اليقظة والانتباه، ونرفع بها مستوى أفكارنا وتعاملاتنا لكي تواكب متغيرات معركة الحياة على جميع الأصعدة، والتي باتت ترسم خرائط المصير في كوكب يُعاد تشكيله من جديد، ويصل بنا إلى قطف ثمار الدروس المستفادة مما مر بنا من تصرفات صائبة أو أخطاء فادحة يكون من شأنها في نهاية المطاف أن تحدد البيئة المحفزة للتمسك بالإيجابيات التي تمنحنا فرصًا سانحة في كافة المجالات على المستويين الشخصي والعام و تكون كفيلة بعدم تكرار الأخطاء التي مرت بنا وسببت لنا بعضًا من خيبة الأمل وإطفاء الطموح، فنستعيد رضانا عن أنفسنا بعد رضاء ربنا علينا عندما نعقد العزم على أن نجعل منهج حياتنا في السر والعلن تحت مظلة (التجارة مع الله) ، ومن ثم نبتعد عن ألاعيب الشيطان وتصارع الأهواء، فنمتلك صفاء النفس والإحساس بالسلام الداخلي الذي يؤهلنا إلى امتلاك سبل المواجهة والمكاشفة مع الذات فننظر إلى حياتنا كنقطة انطلاق فتنمو داخلنا آمال وأحلام تُغدق علينا بعمق الوعي والإدراك، وتساعدنا على إعادة إنتاج أنفسنا من جديد، فنضيء الزوايا المظلمة في مسيرتنا، ومن ثمّ ينبلج فيها فجرٌ وضاء، فيُطل علينا العام الجديد من نافذة الأمل والتفاؤل بمستقبل واعد يفيض بالنجاح والتقدم، فيتوهج فى داخلنا نور الإيمان بالله فنؤمن بقدراتنا على العمل والإصلاح ونحقق الغاية من استخلاف الله لنا فى الأرض بإعمارها ومحاربة الإفساد فيها ، وتنطلق آمالنا وأحلامنا نحو تحقيق الأهداف التى ننشدها لنراها أمامنا تزف إلينا تحايا البِشر.
فالإيمان بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا يجعل أحلامنا لا تشيخ أبدا ؛ لثقتنا فى وعد الله فمهما كبر العمر وتوالت الأيام وزالت المناصب ، يبقى حلم الحياة وتحقيق الغاية من الوجود فيها يافعًا شابًا لا يفل قوته الوهن والهرم ولا يتسرب إليه العجز واليأس .
فأحلام الواثق في وعد الله لاتشيخ أبدا ، ربما يمر بها وقت ما تسري عليها طبائع الأشياء والبشر فيتخللها الوهن والسُبات إلا أن ذلك لا يستمر فنراها تُستَنهض وتحيا وتزدهر مستمدة طاقتها من الإيمان ويبقى ما أصابها من خريف وذبول مجرد ذكريات عابرة للمؤمن فيها دروس تمنعه من اليأس فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، وبهذا تبقى الأحلام تمنحنا القدرة على أن نواجه ونتحدى ونسعى إلى ما هو أجمل وأفضل ، وإذا واجهت الأحلام واقعا جاحدًا فإنها لا تنسحب ولا تتوارى بل تظل شامخة مع سنوات العمر؛ في الشباب وحين يتقدم بنا الزمن تبقى قادرة على التحمل والمواجهة لا تنال منها الأيام والسنون وحوادثها فتتراجع لأنها لا تجد زمانا منصفا يقدر قيمة الأحلام بل وجدت وآمنت برب عادل قال فى كتابه العزير { وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } (التوبة آية 105).
فتعالوا لنُحييَ عامنا القادم بل حياتنا جميعها بآمال وأحلام غايتها الصلاح والإصلاح ، مؤمنين متوكلين على الله حق التوكل وآخذين بما قدره لنا من آسباب؛ لكى نحيا ونراها محققة بإذن الله فنفرح ونبتهج مصداقا لقوله تعالى { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }.