ربما ليست هي المرة الأولى التي يتبنى فيها أبناء القارة السمراء الدفاع عن الحريات المسلوبة من المستضعفين ليثبتوا أنهم سدنة العدالة وظهيراً دولياً جاداً لها ودعاة حرية مخلصين تغيب عن قاموسهم كل مفردات الإعراب عن القلق وعبارات الشجب والإستنكار ، ولايوجد في قانون دبلوماسياتها إطلاق الشعارات الرنانة الجوفاء في أبواق الإعلام ، بيد أنهم يهرعون للدفاع عن الأقليات التي تتعرض لخطر الإبادة الجماعية جراء الإعتداءات الغاشمة دون النظر إلى عِرق أو لون أو الإنحياز إلى أيدلوجية أو جغرافية تحكمها القبلية الجاهلية ، وهو ما قامت به جنوب أفريقيا في الدفاع عن فلسطين بعد ما ساقت إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي الأدلة الدامغة والموثقة لما يقوم به الكيان الإسرائيلي من جرائم إبادة جماعية وتدمير للبنى التحتية بشكل غير مسبوق ضد هذا الشعب المناضل ، ولعل جامبيا أصغر دولة إفريقية تقع غرب القارة الإفريقية سبقتها إلى لاهاي في نوفمبر ٢٠١٩ عندما ذهبت تدافع عن الروهينجا - الأقلية المسلمة - من هول المذابح التي تعرضت لها على أيدي الطغاة المستبدين في جمهورية ميانمار ، حتى أن وزير العدل في جامبيا (أبوبكر تامبادور) قال آنذاك في مؤتمر صحفي على الملأ : " من العار على جيلنا ألا نفعل شيئاً بينما تحدث الإبادة الجماعية أمام أعيننا لشعب الروهينجا " لاريب إن صوت جنوب إفريقيا ومن قبلها جامبيا في محكمة العدل الدولية وهي دولة متعددة العرقيات والديانات قد كشفت مدى خنوع الأنظمة العربية وتخاذلها تجاه القضية الفلسطينية وهي قضية عادلة تمس كل مسلم وعربى من طنجة إلى جاكرتا ، أما ما يدعو للتأمل والدهشة أن جنوب إفريقيا تقع بالأساس هناك في جنوب القارة الإفريقية وغالبية سكانها بنسبة ٨٠ بالمائة ديانتهم المسيحية من البروستانت ، بينما فلسطين تقع في جنوب غرب قارة آسيا ، إذ ليس بينهما صلة جوار ولاتربطهما عقيدة ، بل الأخيرة تدافع عن الإسلام وتحمل ألوية ملياري مسلم من سكان الأرض على كاهلها وحدها ، ولكن هكذا الاحرار لايميزون في نضالهم نحو الحرية بين لون ولون و عرق وعرق ، أكبر الظن عندي أن أعينهم معصوبة مثل أعين العدالة لاتعرف إلا أين يقع الحق وتسعى اليه لتبدل دياجير الظلام الى ناشئة الصبح المنير، وربما يتساءل الكثيرون لماذا جنوب افريقيا بالذات ؟! هي التي تطوعت للذود عن الشعب الفلسطيني فيما يرتكبه الكيان المحتل من جرائم الحرب بحقه ، رغم أن الأولى بهم العرب من دول الطوق وغيرهم من المسلمين ، فلاغرابة على شعب ذاق ظلمة العنصرية حتى أدرك قيمة الحرية على يد زعيم دفع من حياته ثمناً ربع قرن ويزيد في غياهب السجون والمعتقلات في جزيرة روبن من أجل مناهضة التمييز العنصري وقاد أهم ثورة في تاريخ بلاده انتصر فيها لحقوق الإنسان في جنوب إفريقيا والعالم قاطبة حتى أقر لها دستوراً يسمح بالتعددية بعد أن قضى على نظام الأبارتايد الذي يستند الى مبادئ الفصل العنصري بين البيض والسود منهج حكومة الأقلية البيض ، وكان من مظالمه وجبروته أن أجبر السود على العيش في مناطق معزولة عن البيض يمتنع عليهم دخول مناطق البيض أو مخالطتهم ، ورغم كل هذا النضال التاريخي لنيلسون مانديلا الذي غير وجه جنوب أفريقيا في كل مناحي الحياة سياسيا واجتماعيا الإ أنه لم يقض في الحكم إلا ولاية واحدة من ١٩٩٤- ١٩٩٩ إيمانًا منه بتداول السلطة تاركاً الحكم لمن بعده .
حسبي وحسبكم عرفنا لماذا جنوب إفريقيا وليس العرب؟!, ولكن إلى متى تدوي صرخاتنا وتأتى لها النجدة من خارج البيت؟!