الجمعة 05 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

" لو لم يعاد الكلام لنفد " (علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -) ويقول الإمام أبوحنيفة النعمان - رحمه الله -: " الحكايات جند من جنود الله ، والحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحب إلي من كثير من الفقه لأنها آداب القوم وشاهده " .

" لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ " من هنا وجدتني في حاجة إلى أن أذكر بمواقف الإمام النووي الخالدة في ذاكرة التاريخ مع الظاهر بيبرس في قضية الحوطة على بساتين الشام و في أمر جباية الضرائب على الرعية .

زعم وكيل بيت المال للسلطان أن كثيراً من بساتين الشام من أملاك الدولة ، فأمر السلطان بالحوطة عليها أي بحجزها وتكليف واضعي اليد على شئ منها بإثبات ملكيته وإبراز وثائقه ، فلجأ الناس إلى الشيخ في دار الحديث فكتب إلى السلطان كتاباً جاء فيه : " وقد لحق بالناس بسبب هذه الحوطة على أملاكهم أنواع من الضرر لايمكن التعبير عنها وطلب إثبات ملكيتها  لايلزمهم ، وهذه الحوطة لاتحل عند أحد من العلماء، بل من في يده شئ فهو ملكه ولايحل الإعتراض عليه ولا يكلف بإثباته " فغضب السلطان وأمر بقطع راتبه وعزله من مناصبه، فقالوا له إن الشيخ لا راتب له وليس له منصب، فصرف الله قلبه عن الشيخ حتى أبطل أمر الحوطة وخلص الناس من شرها، وفي جباية الضرائب  سجل السيوطي في كتابه  (حسن المحاضرة) حينما فرض الظاهربيبرس الضرائب على الناس كتب إليه الإمام : " إن أهل الشام في هذه السنة في ضيق بسبب قلة الأمطار وغلاء الاسعار و قلة الغلات والنبات وهلاك المواشي وأنتم تعلمون أنه يجب الشفقة على الرعية " ولكن السلطان رفض واستمر في جباية الضرائب وجمع فتاوى العلماء بدعوى أن الحرب تحتاج إلى المال والعتاد ، فوافق الجميع إلا الإمام النووي وازداد استمساكاً برأيه ، وقال على السلطان أن يبدأ بنفسه وبمن حوله فيخرجوا المال الذي بحوزتهم فإذا لم يكف فُرضت الضرائب على الرعية بقدر الحاجة ، ثم قال للسلطان : " أعرف أنك كنت في الرق عند الأمير بندقار وليس لك مال ثم منّ الله عليك  وجعلك سلطاناً وسمعت أن عندك ألف مملوك كل منهم له حياصة من الذهب أي ثياب موشاة بالذهب في مضايقها وعندك مائة جارية لكل منهن حلي فإذا أنفقت ذلك كله وبقيت المماليك بالبنود الصوف بدلاً من الحوائص ، وبقيت الجواري بثيابهن دون حلي، أفتيتك بأخذ المال من الرعية ، فغضب السلطان وأمر الإمام بالخروج فقال الشيخ السمع والطاعة وخرج إلى نوى بالشام فأنكر العلماء على السلطان أن يخرج الشيخ  من المدينة ، فرسم السلطان برجوعه ولكن الشيخ قال لن أدخلها والظاهر بها ، فمات الظاهر بعد شهر ، هذه الصفوة من العلماء كانوا فرساناً مجاهدين تنعقد عليهم آمال الجماهير في نشر العدل ، ولم يكن جهادهم من فوق صهوة الجواد يمتشقون السيف ويضربون به اعناق  الأعداء  بل كان جهادهم بكلمة الحق يصدعون بها في وجه  الولاة المتجبرين لايبالون هلكوا أم عاشوا ، يقومون بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  ومناصحة الحكام ، وكانت ألسنتهم أمضى و أحد من  السيوف البتارة فصدق فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" ولم يعمر الشيخ طويلاً ومات على خمسة وخمسون عاماً ، ولم يبق لنا الآن إلا علماء فساق باعوا دينهم بدنيا غيرهم ، ولطالما فسد العالم يتفشى الظلم ويستشري الفساد وتختل كفة العدالة وفي تقصير العلماء بإطالة سكوتهم إعماراً للظالمين، رحم الله الإمام النووي وأثابه الله عن الامة خير الجزاء

تم نسخ الرابط