دعا صوت إعلامي إلى وقف الحج والعمرة لمدة عام إسهاماً في الخروج من أزمة النقد الأجنبي زاعماً أن جملة الذين يؤدون هذه الفريضة يخرجوا من مصر ٣٠٠ مليون دولار سنوياً ، فقلت في نفسي يا هذا أضافت عليك كل مؤسسات الدولة بما رحبت وهان عليك أمر الدين فلم تجد حلاً للخروج من أزمة الدولار غير وقف أداء الحج والعمرة ، فأسعفتني ذاكرتي إلى أن أشير عليه بأمرين كان أحرى به أن يذهب إليهما ( كرة القدم والسياحة ) إن كان ناصحاً ويريد التخفيف من وطأة الأزمة الراهنة بحق ، ففي المجال الرياضي تنفق الإتحادات والأندية رواتب لمدربين ولاعبين أجانب بما يجاوز حسب المراقبين خمسين مليون دولار شهرياً أي ستمائة مليون دولار سنوياً ، وإن هي في النهاية إلا رياضة لملهاة الشعوب! أما في مجال السياحة فالدولة تستورد المشروبات الكحولية - المحرمة شرعاً - بملايين الدولارات بدعوى تنشيط ودعم السياحة .
يا هذا بمنطق الحاجة وفقه الأولويات ليس هناك ثمة وجاهة لإقتراحك إذا ما قورن فقط بهذين المجالين فضلاً عن زخم الإسراف في مرافق الدولة الذي لا يسعه المقام الآن ، فوق أنك تفاضل بين فريضة هي بالأساس ركن من أركان الإسلام وبين أمور تطالها يد ولي الأمر تبديلاً وتغييراً حسب الضرورة التي تقتضيها ، كان بوسعك إن كنت تريد إصلاحاً أن تدعو إلى تخفيض التمثيل الدبلوماسي في بعض العواصم أو إلغاء منصب المستشار من أروقة الدولة أو انتهاج سياسة التقشف والترشيد في بعض الوزارات غير السيادية ، فلاشك أن كل ذلك يسهم في خفض العجز في الموازنة العامة للدولة دون الطرح إلى وقف الحج أو العمرة ، ودعني أذكر للتدبر والعظة بسلوك الخليفة العادل سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من زاوية حاكم في رعيته حينما ضربت المدينة المجاعة حتى سُمي العام بعام الرمادة وقد امتنع المطر وجدبت الأرض واشتد القحط بالناس ، قال آنذاك : " كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسني ما مسهم " هذه العبارة القصيرة حسبها تلخص أهم وأعظم مبدأ من المبادئ الإنسانية التي تعلو كل القيم في علاقة الحاكم ورعيته يشعر بما يشعرون ويحيا معهم ما يحيون ، فأبى أن يأكل إلا الزيت والخل حتى تغير لونه وكانت أمعاؤه تقرقر فطعن بإصبعه في بطنه وقال والله لاتشبعن حتى يشبع أطفال المسلمين ، ورفض أن يركب دابة تأكل الشعير وقال المسلمون يموتون هزلاً وهذه الدابة تأكل الشعير والله لا أركبها حتى يحيا الناس ، وكتب إلى ولاته في الأمصار ليفعل مبدأ التكافل الإجتماعي بين المسلمين، فكتب لعمرو بن العاص ..واغوثاه فرد عمرو ...لأبعثن لك بعير أولها عندك وآخرها عندي فسير البر والبحر بالدقيق والسمن والكساء حتى كشف الله الكرب عن المسلمين وزالت الغمة ونزل المطر وسقى الناس.
" كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسني ما مسهم" ذلكم مبدأ الراعي العادل في رعيته ولكنه غاب فغاب العدل وغابت معه أشياء كثيرة .