الجمعة 05 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

بكل المقاييس والمعايير العسكرية الرفيعة، التي من شأنها حسم موازيين القوى في معادلة الصراع بين المقاومة الفلسطينية وجيش الإحتلال،  لاشك أنها ترجح كِفة الأخير ،من حيث إمتلاكه  للعدة والعتاد وأرفع وسائل التكنولوجيا حداثةً في المنطقة ، فضلاً عن الإلتفاف الغربي والأوروبي تجاهه ،  ومن خلفهم اللوبي الصهيوني وأنبياء المال المتمددفي أوربا والولايات المتحدة الامريكية، من هنا كانت عملية طوفان الأقصى بتداعياتها مثار دهشة العالم بأسره ، فأيما قائد عسكري يقرر الدخول في هذا الخضم، وهو  يعلم سلفاً عدم التكافؤ-  بالحسابات الإستراتيجية علي أرض الواقع - بينه وبين عدو بطاش، ولاسيما أنه تحت حصار مطبق قرابة سبع عشرة سنة،  لاشك أنه إقدامٌ علي مستحيل ، ولكن فتش عن العقيدة، هؤلاء المجاهدين وقر داخل قلوبهم أنهم أصحاب حق و الجهاد في سبيل الله عبادة والشهادة فيهغاية ، لذا هانت في عيونهم  وصغرت أسطورة المحتل المتغطرس بمدمراته وبوارجه  حتي سقطوا صرعي في مرمي نيران المقاتلين عند أول مواجهة، وجبنوا أمام جسارة المجاهدين  الذين دكوا حصونهم وجدرانهم من اليابسة والبحر والجو حتي تساقطت جنوده كورق الهشيم ما بين صريعٍ واسير وقابعين تحت أقبية الملاجئ  مثل الجرزان المرتجفة من وابل صواريخ القسام وعياش،  سرعان ماذهبت  آراء المحللين العسكريين وكبار الساسة من كل حدب وصوب وتمحورت جميعها  إلي ان نجاح الطوفان والحيلولة دون وقفه كان بسبب الفشل الإستخباراتي و عجز المنظومة الأمنية،  وربما خروج القبة الحديدية عن الخدمة في صد الهجمات الصاروخية ، كل هذا التمني ربما كان أحد عواملا لنجاح ،  بينما  السر الأكبر  يكمن ويتعاظم في صميم عقيدة  المجاهد الفلسطيني - صاحب الارض - تلكم العقيدة التي توارثوها جيلاً بعد جيل اقتداء بأكابر الصحابة رضوانالله عليهم، يتطلعون إلي الشهادة ويؤثرون الموت في سبيلها بقدر ما يحرص أعداؤهم علي الحياة، فهذا عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه في غزوة بدر الكبرى حينما قالرسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لا يقاتلنهم اليوم رجلاً فيُقتل صابراً محتسباً مُقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة " فقال عمير : " فما بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء " وكان بيده تمرات فقال " بخٍ بخ  إنها لحياة بعيدة ".

 وأخذ سيفه فقاتل حتى قتل، فكان أول شهيدٍ من الأنصار ، وفي معركة اليرموك والقتال دائر، اقترب أحدالجنود من أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وقال له يا أبا عبيدة  : "  إني قد عزمت على الشهادة فهل من حاجة أبلغها رسول الله صلى الله عليه وسلم ". فأجابه أبوعبيدة : " قل له يا رسول الله إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً ".

التأمل في حوار هذه الصفوة من خيرة الأمة، يري أن ثلاثتهم علي يقين جازم بما أخبر به ،  عمير بن الحمام والجندي يملؤهما إيمان بأنهما علي أبواب الجنة، ومعهم ابوعبيدة  علي ذات اليقين، يقول ابن مسعود رضي الله عنه" اليقين الإيمان كله"  ويعرفه ابن القيم  " سكون القلب إلي خبر المُخبِر وتَوَثُقُه " وقول الموفق - رحمه الله- في الروضة " اليقين ما أذعنت النفس التصديق به وقطعت به ، وقطعهاصحيح - " فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا " - ، ذلكمهو الإيمان و اليقين في وعد الله الذي يسكن ويَعمُر  قلوبالمجاهدين أبناء وحفدة الشهيدين عز الدين القسام  و أحمدياسين رحمهما الله، وهو الرباط الذي عوض فارق العدةوالعتاد وبدل موازيين القوي بقياس البشر فكان طوفانالأقصي كابوساً لم يفق منه المحتل, وسيبقي الصراع قائماًبين عقيدتين..عقيدة صاحب الأرض وعقيدة الغاصب الغاشم. وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.

تم نسخ الرابط