الإخوان والإرهاب وليبيا وشرق المتوسط ملفات الصراع
الحكمة الدبلوماسية أتت بأردوغان للقاهرة .. أولاً
تأتي زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتفتح فصلا جديدا في العلاقات المصرية التركية، فصلا يداوي جراحا عميقة ويرسخ لقاعدة سياسية أصيلة أنه لا ثوابت في السياسة، وأن الحكمة في إدارة الخلاف السياسي ضرورية في أكثر درجاتها عمقاً.
نعم اختلفت الرؤى ووجهات النظر المصرية التركية حول عدد من الملفات كان أعمقها ملف الإخوان وهو ملف تعاملت معه القاهرة على كونه تهديدا وجوديا للدولة المصرية، وخطرا على أمن واستقرار المنطقة ككل، وما ظنته القيادة السياسية في جماعة الإخوان لم يخب يوماً بل كانت أفعالهم وتطورات ردود أفعالهم في الداخل والخارج تؤكد تلك النظرية في المقابل تعامل تركيا أردوغان مع ملف الإخوان كونه دعما أيديولوجيا ونفوذا استراتيجياً وحضورا وتأثيرا بقدم راسخ في القاهرة حيث قلب الشرق النابض وعموده الثابت ومنطلق تحقيق الأماني التوسعية الأردوغانية، ولذا كان الصدام والاختلاف، قاهرة تحافظ على أمنها وأنقرة تتمنى استعادة مجدها، لكن الحق في النهاية ينتصر.
ومع ملف الخلاف الرئيسي حضرت ملفات أخرى منها الملف الليبي وهو أمر طبيعي لمصر أن تهتم به فليبيا عمق مصر القومي ودولتنا الجارة الصديقة والشقيقة ومن الطبيعي أن يؤثر أمنها واستقرارها علينا، وما كان حضور تركيا أردوغان في ليبيا إلا بحثا عن مصالح لبلاده من بلد ثري سلمت خزائنه لبعض الخونة والعملاء اللذين يسعون للاستيلاء على مقدرات بلادهم دون خوف أو وجل فاستغل الرجل الأمر فكان التعامل المصري باحترافية سياسية وعسكرية منقطعة النظير.
ومن ليبيا لشرق المتوسط الذي رسمت مصر فيه حدودها الاقتصادية لاستغلال ثرواتها في شرق المتوسط وفقا لثوابت القانون الدولي في هذا الشأن لكن أردوغان الغارق حينها في خلافات مع قبرص واليونان لم يعجبه ذلك، ورغم هذا تعاملت مصر بأمانة شديدة ولم تجر يوماً على حق تركيا وتركت لها نصيبها وفقا للقانون الدولي حتى تعود لرشدها، وحين هدد أردوغان حينها عسكريا كان للحق المصري القوة التي تحميه فعاد الرجل إلى رشده.
ومن ليبيا لأزمة المقاطعة لقطر قبل عدة سنوات وكان للأزمة علاقة بملف الإخوان أيضا ودعم الإرهاب، وحدثت انفراجة في العلاقات بين مصر وقطر، كانت باباً لانفراجة في العلاقات المصرية التركية.
رغم كل تلك الملفات الشائكة لم يغب يوماً التنسيق الأمني بين مصر وتركيا، ومؤخرا حدثت تفاهمات كثيرة، تطورت لتواصل دبلوماسي على مستوى نواب وزراء الخارجية، ثم تطور الأمر للزيارات متبادلة على مستوى وزارة الخارجية، ثم التقى الرئيسان السيسي وأردوغان في قطر ثم في السعودية على هامش فعاليات دولية، ثم تبادلا التشاور في العديد من الملفات، ثم تم توجيه الدعوة من كلا الرئيسين للآخر، وكانت الإشكالية في من يبدأ بزيارة الآخر، وفي ذلك جرى التعامل مع الأمر بحرفية شديدة، فأكثر من مرة يجري الإعلان من وسائل إعلام تركية عن زيارة قريبة للسيسي لتركيا، ولا تعلق الرئاسة المصرية، وتركيا تترقب، حتى جاء أردوغان لمصر لتستضيفه اليوم القاهرة بكل سماحة وترحاب لتفتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين تحقيقا للخير الذي هو الأصل بينهما بصلات عميقة وتأثيرات ثقافية متبادلة لقرون مضت.
وهكذا كانت ملفات الخلاف، لكن رغم كل ذلك الحكمة في إدارة الخلاف تفتح مجالات للتعاون بما يحقق المصالح المشتركة على أساس من الاحترام المتبادل والندية في التعامل تيسيرا للتعاون البناء .