في العمل الإداري، كثيرا ما نجد بعض القيادات تحاول أن تطفئ وهج أي شخصية يكون لديها حضور قوي في الإدارة، ولها (كاريزما) خاصة بها في القيادة، مع أن هذه القيادة لا يستطيع أن يزاحمها أحد على الكرسي الذي تجلس عليه، لأنه معلوم أنها لن تنزل عنه إلا بعد أن تحال إلى التقاعد، ولكنها تعيش في وهم أن هذه الشخصية التي لا تزال في مستقبل أيامها، والتي حباها الله بهذه الصفات التي تؤهلها لأن تكون قيادة في المستقبل، تظن أنها ربما تنازعها في شيء من اختصاصها، أو أنها ممكن- لو قادت المؤسسة بعدها- أن تكشف ضعف أدائها؛ فتصر في نفسها بأنه لا بد من إحباطها، وقتل طموحها، ولا مانع من إشاعة الأكاذيب حولها للقضاء عليها معنويا، وللأسف فإن هذه القيادة بحكم تمكنها تجمع حولها ضعاف النفوس من أشباه الرجال الذين يطمحون في أن يكونوا هم في موقع القيادة ليدخلوا مع هذه الشخصية- ( الكاريزمية) والمؤهلة بالفطرة للقيادة- في حرب شعواء تجبر- في كثير من الأحيان- تلك الشخصية إلى الاستسلام والانسحاب من الميدان آسفة ونادمة على وجودها في هذه الأجواء المسممة بالأحقاد والضغائن، لتصبح الساحة خالية لهؤلاء المتطفلين المأزومين الذين لا يملكون أي شيء من مؤهلات القيادة، للجلوس على مقعدها، فيحولوا المؤسسة إلى نظام (الشللية) فأهل الثقة هم من يتولون المناصب الإدارية مع القيادة في داخل المؤسسة، أما أهل الخبرة، وأصحاب المواهب القيادية فهم مبعدون، بل ومضطهدون، ويدفعون أثمانا غالية من عمرهم، ومستقبلهم، لا لشيء إلا لوهم توهمته تلك القيادة ومن حولها من المنافقين المنتفعين بأن هذه الشخصية لها مؤهلات تجعلها صالحة للقيادة، وهذا يُعد من أهم أسباب فشل كثير من المؤسسات، وترديها في مستنقع الخلافات والمؤامرات.
والغرب لم يصل إلى ما وصل إليه من النهضة والتقدم إلا لتولي أصحاب الخبرات والمؤهلات القيادية، المناصب الإدارية في المؤسسات الوطنية، وأن القيادة في أي مؤسسة عندهم هي التي تبحث عن الشخصية المؤهلة للقيادة بعدها فتقربها منها، وتنقل إليها خبراتها، لأنهم جميعا يعملون من أجل النهوض بمؤسساتهم، لا من أجل أشخاصهم.
ومتى نصل إلى تلك الثقافة الإدارية التي وصلوا إليها، ويكون هدفنا الأول الإعلاء من شأن المؤسسة لا من شأن الأشخاص، فإننا سنأخذ طريقنا بكل قوة نحو النهوض والتقدم.