الخميس 07 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

ترى هل يمكن للكتب فعلا أن تسحر العقول وتسيطر على الأفهام؟ هل يمكن لها أن تملك هذه السطوة القاهرة على سلوك الإنسان فتوجهه إلى غايتها كما تريد؟

ربما كنت أسمع قديما عن حرق الكتب وحظرها والعقوبة التي تطال من يقتنيها، وكنت أتعجب كيف تكون للأوراق كل هذه الخطورة حتى تخاف منها الأنظمة وتحذرها الحكومات.
هل يمكن لكتاب أن يأسر عقلا أو يوجه فكرا أو يهيج حماسة أو يثير عاطفة؟
لم أكن على اليقين الكامل بهذه الملكة العظيمة لأي كتاب في الدنيا مما تنتجه قرائح المفكرين والأدباء.
حتى قدر لي أن أقرأ كتب الشيخ الغزالي فرأيت  جسارة الرجل وعبقريته في السيطرة على العقل والعاطفة والوجدان، وكيف كانت له المهارة الفائقة التي لا تبارى في انتقاء الكلمات التي توقظ في النفس حماسة يمكن أن تجعل من يلوكها بلسانه ومن قبله قلبه، جنديا من جنود الحق.
الشيخ الغزالي لم يكن مجرد كاتب إسلامي، يتحدث في الوعظ والأحكام.
بل أجاد فوق قيمته الدينية، قيمة أدبية سامقة غير مسبوقة، لقد قرأت لعباقرة البيان العربي، فلتقل لي أنت من ياترى يماثل الشيخ الغزالي الذي وهبه الله قلما لا يقال فيه إلا ماقاله سعد في وصف الرافعي تنزيل من التنزيل أوقبس من نور الذكر الحكيم.
بل يقولون إن الغزالي رافعي زمانه، وأنه قبس من دوحة الرافعي.
ولعمري فإني أرى الغزالي يفوق الجميع، وتبلغ مرتبته من البيان العربي مرتبة الساحر الذي يمكن أن يسحرك بالكلمات..كتاب واحد للغزالي تهم أن تقرأه، فلا تتركه حتى تنهي على صفحاته من فرط حماسه وجمال بيانه وروعه سرده وأسير لفظه وانسياب نغمه.
لقد ربى قلم الغزالي وكتبه جيلا بأكمله، علم الشباب والنشء معنى الانتماء للاسلام، وبذل الروح في سبيل الدعوة.. بل يقدر لهذه الكتب أن يتعدى أثرها وتأثيرها فيما بعد لأجيال وأجيال، لم تعاصر الشيخ وإنما سمعت عنه.
لقد أثر الرجل في سلوكي وروحي بمكتوباته، ولا أذكر أن كتابا لأديب من الأدباء ممن يمنحونهم ألقاب الريادة والزعامة والعملقة الأدبية، من أثر في نفسي إلى الحد الذي أثرت في كتب الغزالي.
وأنا كأزهري أشعر بفخر كبير أن الغزالي منا ونحن منه.. ولكن لا تحسبن الشيخ الغزالي فخرا للأزهر وحده أو العلماء وحدهم.
إنما الشيخ الغزالي ياعزيزي فخر لمصر، ومعلم من معالمها الخالدة العظيمة.

تم نسخ الرابط