إن الأخلاق الفاضلة، والقيم السامية ديدن الدين الإسلامي ومنهجه، وقد حث الإسلام أتباعه على حسن الخلق، الذي يعني: التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل.
ومن أجل تحقيق هذه الغاية كانت بعثة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقد قال في حديثه الشريف: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارك الأَخْلَاقِ" فقصر بعثته على تتميم مكارم الأخلاق، كما امتدحه ربه بتمام أخلاقه، قال تعالى: " وإنك لعلى خلق عظيم"، ومن أهم أخلاق الإسلام، التي يجب أن يتحلى بها أتباعه، ( خلق الحياء)، وقد قال الرسول- صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عنه أبو هريرة: "الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".
والحَياءِ: تَغَيُّرٌ وانكِسارٌ يَعتَري الإنسانَ مِن خَوفِ ما يُعابُ به. وقيلَ: هو انْقباضُ النَّفْسِ عنِ القَبائحِ وتَرْكُها.
وقد عظم الرسول- صلى الله عليه وسلم-
من شأن هذا الخلق، وأنه كله خير فلا يأتي منه إلا الخير، فقال: «الحياء خير كله» أو قال: «الحياء كله خير». رواه مسلم
وقد وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم- ربه بالحَيِيِّ، فقال: "إنَّ اللَّهَ حيِىٌّ كريمٌ يستحي إذا رفعَ الرَّجلُ إليْهِ يديْهِ أن يردَّهما صفرًا خائبتينِ" رواه الترمذي، عن سلمان الفارسي.
وقد كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- شديد الحياء، حتى أنه كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وصفه بذلك صحابته - رضي الله عنهم- فعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه قال: "كان رسول الله ﷺ أشدَّ حياءً من العذراء في خِدرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه" متفق عليه.
ومن مواقفه المعبرة عن شدة حيائه، حياؤه من سيدنا عثمان بن عفان، فيما روي عن أم المؤمنين- عائشة رضي الله عنها- أنها قالت : كان رسول- الله صلى الله عليه وسلم- مضطجعاً في بيتي، كاشفا عن فخذيه، أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له، وهو على تلك الحال، فتَحَدَّثَ، ثم استأذن عمر، فأذن له، وهو كذلك، فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله وعليه وسلم، وسوّى ثيابه - فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش له[ أي: لم تتحرك له] ولم تباله، ثم دخل عمر، فلم تـَهْتَشَّ له، ولم تُبَاِله، ثم دخل عثمان فجلست وسوّيت ثيابك فقال: "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة"
والحياء خلق مشترك بين الرجال والنساء، وإن كان في النساء يجب أن يكون أوفي وأتم لطبيعة فطرتهن التي فطرهن الله عليها، ولذلك لا يصح أن يقال: بأنَّ الحَياءَ مُنافٍ لِلرُّجولةِ، وأنَّه مِن طِباعِ النِّساءِ، فهذا فهم خاطئ؛ لأنَّ مَن اسْتَحْيا مِن النَّاسِ أنْ يرَوْه يَأتي الفُجورَ ويَرتكِبُ المَحارِمَ، فذلك داعيةٌ له إلى أنْ يكونَ أشَدَّ حَياءً مِن ربِّه وخالقِه عزَّ وجلَّ، ومَن اسْتَحْيا مِن ربِّه فإنَّ حياءَه زاجرٌ له عن تَضْييعِ فَرائضِه ورُكوبِ مَعاصِيه رجلا كان أو امرأة.
ومما يؤكد على أن الحياء خُلُق للرجل والمرأة على السواء، ما جاء في قصة موسى مع ابنتي الرجل الصالح شعيب، فقد وصف القرآن ابنة شعيب التى أرسلها أبوها لموسى لتدعوه بشدة الحياء، حيث اتخذت منه سربالا تسربلت به حتى إنه من إحاطته بها وتدليه من حولها كأنها كانت تمشي فوقه: قال تعالى :" فجاءته إحداهما تمشي على استحياء"
أما موسى - عليه السلام- حين أراد أن يمشى معها إلى أبيها طلب منها - كما ذكر المفسرون - أن تمشي خلفه، وتدله على الطريقة من خلال حصوات ترميها أمامه توضح له الجهة التي يجب أن يتوجه إليها، وهكذا نجد الحياء متحقق في ابنة شعيب كما هو متحقق في موسى عليه السلام.
وكل هذا يدل على أن الحياء خلق الأنبياء والمرسلين والصالحين، فمن تحلى به عاش في طاعة الله ورسوله، ومن تخلى عنه فقد عصى الله ورسوله بتجرئه على ارتكاب الذنوب والمعاصي دون رادع من حياء.