ads
الجمعة 22 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

مختارات من ثلاثية رضوى عاشور غرناطة الاهل والوطن الغائب

خلف الحدث

انتابت الصغير نوبة السعال فمسدت له مريمة صدره وظهره بزيت الزيتون وأحكمت حوله الغطاء. ولكنه ظل يسعل حتى تقيأ ما في جوفه .

في الهزيع الأخير من الليل غفاء وبقيت مريمة متيقظة بجواره حتى سمعت صياح الديك، قامت بحرص أحس بحركتها ، قالت : نم يا علي، لم يشقشق الفجر بعده. لم تفلح في إبقائه وحده في الفراش، فلفته بحرام صوفي يحميه من لفحة الهواء، وتبعها إلى المطبخ .

قرفص بالقرب منها رأها وهي تكيل الطحين ثم تنخله فتتراكم ذراته في القصعة ناعمة بيضاء حملت جرة الزيت. مالت بجذعها قليلا فانسكب زيت الزيتون الأخضر سائلا ذا قوام، يشف يستقر في أبيض الطحين .

غفا ثم أفاق. كانت مريمة متربعة تصف الكعك الذي عجنته وكورته على غربالها الكبير قامت وفتحت باب التنور، ونقلت كعكها إلى النار الموقدة فيه وأغلقته .

لاحق خطواتها في دروب البيازين تتعرج وتحملها هبوطا إلى وصيف حدره، رأسه يكاد لا يصل إلى خصرها، وهي تمشي بخطى وئيدة تقبض بيدها اليسرى على يده، وترتفع يدها اليمني عاليا فوق رأسها، حيث تستقر سلة الكعك المغطاة بشرشف أبيض كالحليب.

ما أن وصلا إلى الساحة وافترشا جانبا منها حتى بدأ يطالبها بالحكاية. ولكنها كانت منهمكة تنادي على كعكها، فيتوقف الشارون فتعطيهم وتأخذ الدراهم التي يدفعونها.

كان علي يحب حكايات جدته التي لا تنفذ، فلكل إنسان عندها حكاية. ولكل مكان قصة، وللحصان أصل وفصل، وكذلك الطير السابح في السماء غرناطة في الحكاية لها صاحب اسمه شانيل يلف ذراعه حول كتفها، يرافق أيامها ولياليها، يؤنسها بأحاديث رحلته فهو قادم إليها من بعيد، وما يحكيه شانيل ممتع مثير يمتزج فيه الكلام بالأغنيات ومالقة أميرة لها قصر عال مشرفيته على البحر، ووراء البحر من يطلبها، وهي تريده، تسعى ولا تطول تنتظر وتقطع الوقت بالغناء والحمة صبية بلا أهل مقطوعة في الجبال، تبكي في صمت وحشتها، وفي الليل تنادي فيتردد صوتها في التلال والوديان يسمعه رجل طيب فيقول:"من ينادي؟ تقول : "أنا الحمة" فيسحب الرجل حماره، يمضي في اتجاه الصوت لكي يلقاها، ولكنة يخطئ الطريق ، يعود ادراجه يحاول من جديد .

تأخذ الفتى من يده إلى الغرفة، تضعه في الفراش، وتتمدد بجواره ، ثم تحكي : بهية في ثوب مخملي أسود تزينه خيوط الذهب والفضة يسعى الناس إليها من كل مكان ليمتعوا عيونهم برؤيتها، ويفرحوا بلمسها وباللقاء وفي يوم من الأيام …

 

 

تم نسخ الرابط