الخميس 07 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

لدي ايمان كبير أن الالتزام الديني والقيمي والعقلي هو فضل من الله وهداية يمنحها الخالق لمخلوقه، والفضل فيها له وحده سبحانه
وليس لعلم الانسان وقدراته وإمكاناته.

وقديما كنت أقرأ لابن تيمية قوله: إن أعظم كرامة يمنحها الله للولي الصالح ان يقيمه على الشرع والتزام دينه وأمره ونهيه..  بينما البشر يرون غير ذلك حين يرون أن مقياس الولي الصالح ان يأتي بالمعجزات وخوارق العادات، التي تبهر العقل وتثير الجنان.

منذ ايام نشر صديق لنا نحبه ونقدره.. السيرة العلمية او -السي في- لمن يزعم انه علامة دهره وإمام زمانه، أو يزعم المتحيزون والمناصرون له انه مجدد عصره، وإفكا زعموا وزورا أعلنوا، فليس للرجل مواهبة التي تجعله من أئمة الهدى، وترتقي به إلى درجة التجديد والاجتهاد، ولكنه الهوى الغالب أعاذنا الله منه.

والحق ان السيرة فاخرة زاهية مذهلة، لكن كل ذلك لا يمثل عندي أية قيمة لو ان هذا الشخص منحرف الفهم سقيم المعنى فاسد الاستنتاج.. العلم هنا لم ينفعه، ويقوم حجة عليه..لكن الناس بفساد نظرتهم لا تنظر لفساد قياسه وسوء رأيه إلا ويصحبون معه تاريخه العلمي، كمحاوله من الشيطان ان يبطل اعتراضهم عليه في شيء مما يقول ويدعي.

لكن حياتنا وعقولنا قامت على مقاييس وقوانين، نستطيع من خلالها أن نقوم أي رأي وأي اجتهاد، ونحكم على فساد عقله أو صلاحه.
وعندي ان الشهادة وحيازة المراكز العلمية والمناصب الرفيعة، ليست دليلا أبدا على الثقافة والفكر وحسن الوعي وسلامة القصد، فأنا أعرف من اصحاب الشهادات والمواقع العلمية، من يستحقون أن نصمهم بالجهل تارة، والانحراف تارة أخرى.

أتذكر حوارا جرى أمامي بين أستاذ جامعي في علم الهندسة، وبين بعض المستمعين له، كان الرجل يخوض في غير تخصصه، ويخترق عوامل الفكر بكل جرأة وعناد، ومن ثم كان يهدر بالخطأ الفاحش، والمنطق الهذيل.
لكن شهادته ومكانته العلمية، أخجلت وأحجمت من يستمعون له أن يعترضوا عليه..لماذا؟ لأنه دكتور جامعي، حتى وإن تكلم في غير تخصصه، فقد بقيت شهادته شافعة له في خطئه.
وإذا حدثتهم منكرا عليهم سكوتهم، ردوا عليك بقولهم: أصله دكتور برده.!!

وهكذا يسقط العلم ويسقط الحق ويسقط الصواب أمام بريق الشهادة.
وهو نفس ما حدث من صديقي الذي نشر -السي في- وقال للقراء: قبل أن تحكموا على فلان، عليكم أن تقرؤوا سيرته العلمية قبل التهجم عليه.

والرجل دوما مثير للغط والجدل، ومولع باصدار الفتاوى والاقاويل الشاذة التي تثير الرأي العام، وعندي في المقام الأول أنه لو كان فقيها كل الفقه، لكن عليما بما يجب أن يقال ويطرح على أذهان الناس، والذي يقدر له في المقام الأول أن يكون داعية رزينا حارسا للمعتقد والوعي الديني في اوقات الجهل والفتن والأزمات والبلبلة الذهنية.
لكن ولع بعضهم بحب الشهرة وترديد اسمه بين الحين والحين، أفقده فقهه ووعيه الذي كان من المفترض ان تدعمه السي في المعجزة.

انظر للدكتور طه حسين وقد كان يمتلك سيرة شاهقة، وذكاء حادا، ولكنه مع ذلك منحرف الفهم في كثير من التأويلات، ولا يمكن التسليم له والأخذ عنه في كثير من مضامين الفكر.
وأتذكر كذلك ما قيل عن الدكتور عمر عبد الرحمن مفتي الجهاد، فقد كان الأول على دفعته، ومرموق العلم والتحصيل، لكنني أرى أن علمه لم يهده للأسلوب الأمثل للدعوة.
وسمعت يوما من شيخنا الدكتور محمود عمارة:  أن بعض الفقهاء كان يمنع العالم الجليل القدر أن يقف بالناس إماما، لأنه لو أخطأ في الصلاة، لما رده أحد ظنا منهم أن خطأه صواب.

الشهادة ليست أبدا مقياسا على صواب الهزل والزيغ.
فلأن يقيمك الله على الحق، هو أعظم شهادة يمنحها الله لك.. تماما كمسألة الكرامة التي أشرت إليها ابتداء.

تم نسخ الرابط