الخميس 07 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

نحن لا ننهار مرَّةً واحدة ولكنها التراكمات

خلف الحدث

الكاتب الدكتور/ ادهم شرقاوي، الكتاب: السلام عليكم يا صاحبي، أخترنا لكم؛

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،
تسألني: لماذا تتغير ردات أفعالنا على حدثٍ واحدٍ رغم أن الحدث هو نفسه فهل نحن تغيرنا؟!
فأقول لكَ: أُجيبك مباشرة أم أضربُ لكَ مثلاً أولاً؟
وكعادتك تُسرج لي صهوة الكلام،
وتشير بيدك بما يوحي أن اِضربْ مثلاً أولاً!
حسناً يا صاحبي!

اصطحبَ الأبُ ابنه معه لزيارة صديقٍ له،
وكان طريقهما من السوق،
فسمعا رجلاً ينادي على جَملٍ يريدُ أن يبيعه بدرهم،
فقال الابن لأبيه: يا أبتِ، اشترِ لنا جملاً.
فقال الأب: بدرهم، إنه غالٍ!

وبعد سنةٍ تكرر هذا الموقف بحذافيره،
مرا بالسوق وكان رجلٌ يُنادي على جملٍ يريدُ أن يبيعه بمئة درهم،
فتقدَّم الأب من البائع، وناوله مئة درهمٍ، وأخذ الجمل ومضى!

قال الابن لأبيه والدهشة على محياه:
يا أبتِ، في العام الماضي طلبتُ منكَ أن تشتري جملاً،
فقلتَ لي إنه غالٍ،
وقد كان ثمنه درهماً، واليوم دفعتَ ثمنه مئة درهم!
ابتسمَ الأبُ، وقال لابنه:
يا بُنيَّ، إنَّ كل ثمنٍ مهما كان قليلاً هو كثير على من لا يملكه!
وكل ثمنٍ مهما كان كثيراً هو قليل على من يملكه!

في العام الماضي لم يكن معي درهم،
ولو باعوني الأرض كلها بدرهم لوجدتها باهظة الثمن لأني لا أملكه!
أما هذا العام فقد فتح الله علينا،
والمئة درهم عندي أقل من الدرهم الذي لم يكن معي العام الماضي!

أظنُّ أن الصورة صارت واضحة الآن،
وأن ما أُريد قوله قد صار جلياً!

المواقف هي ذاتها يا صاحبي،
ولكنها حين تمرُّ بنا لا نكون نحن ذاتنا كل مرَّةٍ،
لهذا بالضبط تختلفُ ردَّات أفعالنا!

تمرُّ بالإنسان لحظات يستطيع فيها أن يحمل جبال الدنيا كلها،
ثم تمرُّ به لحظة أخرى لا يستطيع فيها أن يحمل حجراً واحداً!

وتمرُّ بالإنسان لحظات لا تهزه فيها رياح العالم كله مهما كانت عاصفة،
ثم تمرُّ به لحظة أخرى تطرحه أرضاً نسمة خفيفة!

يا صاحبي،
نحن أحياناً نتلقى طعنةً بثباتٍ،
ولكننا ننهار أمام خذلان صغير،
ذاك أن الروح تكون جاثية على ركبتيها
مهما بدا الجسد منتصباً للناس!

يا صاحبي،
نحن لا ننهار مرَّةً واحدة ولكنها التراكمات!
أُنظُرْ للاشجار الضخمة حين يحاولون اجتثاثها،
ضربة، عشر ضربات، عشرون ضربة،
ثم أخيراً تنهار وتقع على الأرض من ضربةٍ أخيرة لم تكن أقوى من سابقاتها،
كل ما في الأمر أن الضربات السابقة قد أدمتها،
أما الضربة الأخيرة فكشفتْ حجم الضرر السابق،
وهكذا نحن!

والسّلام لقلبكَ

تم نسخ الرابط