الأربعاء 03 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

مركز الشّرطة .. في مَنزِلي جُثَّةٌ وهذا هو العِنوان

خلف الحدث

-《ألو .. مركز الشّرطة ؟؟ .. في مَنزِلي جُثَّةٌ وهذا هو العِنوان ..》

ما هي إلاّ لَحظاتٌ حتّى وَصَلَت سيّاراتُ الشُّرطة إلى مَنزِلي الذي يَقَعُ على إحدى الجِبال النّائِية .. هُناكَ حيثُ أَستَطيعُ الكِتابَةَ بهدوءٍ برِفقَةِ أشجار البلّوطِ والسّرو .. وطُيور الكَناري .. والكثيرُ مِن الجُثَث ..

تمَّ اقتِحامُ المَنزِلِ مِن قِبَلِ رِجالِ الأَمنِ، لأُشاهَدَ جاثِياً على رُكبَتَيَّ ويَدايَ تَستَعمِرُ خَلفَ رَأسي، مُتَّخِذاً وَضعِيّةَ تَسليمِ النَّفس والاستِسلام ..

-《أهااااااا .. إذاً هذا أَنتَ ثانِيَةً أَيُّها الكاتِبُ المَعتوه!! ..

وأَينَ هي ضَحِيَّتُكَ الوَهمِيّة هذه المَرّة؟؟ ..

ولمَ غُرفَتُكَ قَذِرة إلى هذا الحَدّ؟! ..

بالمُناسَبة يا سيِّد يزن ..

يَقولونَ أَنَّكَ تَختَفي في هذا المَنزِلِ لأَيّامٍ وأَيّام ..

أَعتَقِدُ أَنّكَ لم تَبرُح غُرفَتَكَ لفَترَةٍ مِن الزَّمَن .. 》

-《في الواقِعِ يا سيِّدي، أَنا مُنهَمِكٌ في الكِتابة .. حتّى أَنّي .. امممم .. لا أَنامُ جيِّداً ..》

جَلَسَ الضّابِطُ أَرضاً مُرَكِّزاً ثِقلَ جَسَدِهِ على رُكبَتِهِ، وبَدأَ يَتَحسَّسُ أَرضِيَّةَ الغُرفَةِ شارِداً في تَفاصيلِها، حتى اصطَدَمَ إصبَعُهُ بشَريطٍ لحُبوبٍ مُنَوِّمة ..

-《آه .. ما هذا؟! .. حُبوبٌ للتَّقوية الجِنسيّة؟!》

قَهقَهَ الجَميعُ ساخِرين ..

وَقَفَ الضّابِطُ ورَكَلَني بمُقدِّمَةِ حِذاءِهِ فَسَقَطتُ أَرضاً .. ممّا أَتاحَ لي الفُرصَةَ لأَرى عَينَيَّ القَتيلة المُلقاةِ أَسفَلَ سَريري ..

-《أَتَتَلاعَبُ بِنا مثل كُلِّ مَرّة ؟!》

وهُنا، هَمَمتُ واقِفاً دون أَن أُغَيِّرَ مِن وَضعِيَّةِ الاستسلام ..

-《سيّدي أَرجوك .. دَعني أَشرَحُ لكَ ما حَدَث!!..》

-《حَسَنٌ!! .. تَكلَّم ..》

-《سيَّدي ..

لقَد تَعَرَّضَتُ أَثناءَ اللّيلِ لهُجومٍ مِن إحدى بَطَلاتِ رِواياتي، لأَنّي عَرَّضتُها للاغتِصابِ في الفَصلِ السّابِعِ عَشر .. دَخَلَت غُرفَتي بَينَما كنتُ أَجَهِّزُ فِراشي لكي أَخلُدَ للنَّوم، مُمسِكَةً بسِكّينٍ، ورَكَضَت نَحوي كالمَجنونة ..

قاوَمتُها بشِدّة حتى استَطَعتُ انتِشالَ السّكّينِ مِن قَبضَتِها، لأَقومَ بدَوري بطَعنِها في رَقَبَتِها كدِفاعٍ عَن النَّفس .. لتَسقُطَ جُثَّةً هامِدَةً على الأَرض ..》

سكَتَ الجَميعُ بُرهَةً مِن الزَمَن ..

ثمَّ تَثاءَبَ الضّابِطُ في مَلَلٍ قائِلاً ..

-《وأَينَ هي الجُثَّةُ الآن ..؟؟》

-《أَسفَل السَّريرِ يا سيِّدي ..》

-《فتِّش تَحتَ السَّريرِ يا وَلَد ..》

-《لا يُوجَدُ أَيُّ شَيءٍ تَحتَ السَّريرِ يا سيِّدي ..》

وهنا أَخرَجَ الضّابِطُ جِهاز الاتّصال الأَمني ..

-《إلى كلّ العَناصِر المُحيطة .. أَخلوا المَكانَ فَوراً .. بلاغٌ كاذِب .. يزن حدادين كالمُعتاد》

ثمَّ التَفَت لمَن أَتوا مَعَه وأَمَرَهُم بإلقاءِ القَبضِ علَيَّ على الفَور ..

-《ولكن يا سيِّدي أُقسِمُ لكَ أَنّها كانَت هُنا ..》

-《اخرَس وكفاكَ عَبَثاً!! .. حاوِل إقناعَ مُستَشفى الأمراض العَقليّة بهذا الكَلام .. خُذوهُ مِن هُنا!! ..》

وبينَما هُم يَسحَبوني لخارِجِ الغُرفة .. نَظَرتُ خَلفي لكي أُلقي نَظرَةً خاطِفَةً على السَّريرِ للمَرَّةِ الأخيرة ..

وهُنا وكأَنَّ كُلَّ شَيءٍ صارَ يَجري بالعَرضِ البَطيء، زَحَفَت الجُثَّةُ مِن أَسفَلِ السَّريرِ وقامَت واقِفَةً بعَينَينِ جاحِظَتَينِ لا تَرمِشان، ولا تُحيدانِ النَّظَرَ عَن عَينَيَّ ..

انتَزَعَت السّكّينَ مِن عُنقِها ليَفيضَ دِماءُها كالسَّيلِ دونَ أَن تَكتَرِث ..

مَشَت بخُطىً مُثقَلَةٍ باتِّجاهِ مَكتَبي، وخَطَّت دِماءَها بالسّكّينِ على وَرَقَةٍ فارِغَةٍ، ومِن ثُمَّ رَفَعَت الوَرَقة لتُريني ما كَتَبَت ..

"الفصلُ السّابِعُ عَشَر .. لَن أُسامِحَكَ .."

وفَتَحَت النّافِذة بقوَّةٍ .. فهَبَّت ريحٌ عَظيمة .. وهَرَبَت ..

التَفَتَ الضّابِطُ ومَن معَهُ حين سُمِعَ ارتِطامُ إطارِ النّافِذة، بينَما تَطايَرَت أَوراقُ مَكتَبي في مُختَلَفِ أرجاءِ الغُرفة لشدّة الرّياح الآتية مِن الخارِج ..

-《يا وَلَد .. أَغلِق النّافِذة .. وأَطفىء الأَنوار .. وأَغلِق البابَ .. ولنتَحَرَّكَ مِن هُنا ..》

وخَرَجتُ مَعهُم مُكَبَّلُ اليَدَين ..

وأَصابِعي تَرتَجِفُ، إذ كانَ وَقتُ تَعاطي جُرعَةِ الكِتابة ..

- يزن حدادين -

تم نسخ الرابط